قام شاه إيران محمد رضا بهلوي بزيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية في نوفمبر 1977، حيث تم استقباله بكل مظاهر الاحترام والحفاوة والفخامة في البيت الأبيض، ولم يعكر صفو هذه الزيارة سوي المظاهرات المعادية التي قام بها الطلبة الإيرانيون في بعض شوارع واشنطن، لكن الشاه كان يعتبرهم مجموعة قلة منحرفة حاقدة علي بلادها ومأجورة من شوية صيع من الخارج، رغم أن الخارج نفسه كان يستقبل الشاه بالأحضان والقبلات والتحيات والتبجيلات واللقاءات مع الجمعيات الصهيونية المرحبة المحتفلة بصداقة الرجل الحميمة لإسرائيل، وقد قام الرئيس الأمريكي كارتر برد الزيارة في ليلة رأس السنة الجديدة وأعلن في طهران أن إيران هي واحة الاستقرار في بحر هائج وأضاف: (أنا موقن أن قيادة جلالتكم العادلة العظيمة الملهمة هي السبب وراء كل هذا). بعد هذه المشاهد بشهور كانت فورة الثورة الإيرانية ضد الشاه، ثم قيامها الكبير وطرد الشاه من حكمه ومن عرشه ومن بلده وانتصار الثورة الإسلامية التي بدأت بقوي اليسار ورموز الليبراليين في تحالف ضد استبداد الشاه، ثم انفرد الخميني بالثورة وبالجمهورية! يبدو أن هذه المشاهد هي التي دفعت باحثًا مثل شادي حامد، زميل مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط، في دراسته ( المصالح الأمريكية أم دعم الديمقراطية؟) إلي أن يعرب عن قلقه من أن نظام مبارك متي استمر في استبداده وديكتاتوريته فقد تتراجع قدرته علي خدمة الأمريكان وتتضعضع (هو قال تضعف لكن أنا أفضل تعبير تتضعضع، فهي كلمة مليئة بالحركة وتحس أنها سوف تنكسر في إيدك.. تتضعضع، معبرة فعلا!). يبرر الباحث هذا التخوف في دراسته (مترجمة علي موقع تقرير واشنطن الشهير) بأن المصالح الأمريكية في إطار التحالف مع القاهرة قد تتعرض لتهديد حقيقي إذا لم تهتم واشنطن بالإشكاليات التي تجعل الاستقرار السياسي في مصر علي المحك، لاسيما تردي الأوضاع الاجتماعية وتدني مستويات الدخول لقطاع واسع من المواطنين المصريين، وهو ما أدي لتصاعد وتيرة الإضرابات الفئوية والعامة. ويؤكد الكاتب أن الإصلاحات الاقتصادية التي دشنتها حكومة كلية الهندسة (الباحث قال حكومة التكنوقراط لكن أنا أفضل تعبير حكومة كلية الهندسة) أدت لنفوذ طبقة من رجال الأعمال الأثرياء المرتبطين بالحزب الحاكم، إلا أنها أخفقت في مواجهة قضايا أكثر أهمية خاصة تصاعد معدلات البطالة وعدم المساواة وتقلص الطبقة الوسطي.. ويستنتج الكاتب أن قدرة النظام الحاكم في مصر علي دعم المصالح الأمريكية في المنطقة، لاسيما استمرار تدفق النفط للأسواق العالمية، والحفاظ علي توازن القوي الإقليمية، وحماية أمن إسرائيل، قد أصبحت موضع تساؤل في ظل تصاعد الجدل الداخلي حول سيناريوهات تداول السلطة بعد الانتخابات الرئاسية في مصر عام 2011. ويري الكاتب أن هناك مشكلة رئيسية في تولي جمال مبارك الرئاسة، تتمثل في افتقاده الشعبية واتفاق المعارضة المصرية علي اختلاف توجهاتها اليسارية والليبرالية والإسلامية علي معارضة خلافته لوالده. وتكشف الدراسة التي لا تشغلها إلا المصلحة الأمريكية كما هو واضح، أن استمرار الصراع العربي الإسرائيلي يمثل غنيمة للنظام المصري الذي من مصلحته تسخين الصراع علي عكس ما يتصور الأمريكان، فاستمرار الصراع يمثل مبرراً قوياً عند النظام لاستمرار المستوي المرتفع للإنفاق الأمني ووجود تهديد خارجي بصورة مستمرة يقوض مطالب الإصلاح السياسي وتعزيز الديمقراطية. يطالب الباحث شادي حامد في دراسته بضرورة تغيير نهج إدارة الرئيس أوباما تجاه دعم الإصلاحات الديمقراطية والارتقاء بأوضاع حقوق الإنسان في مصر. الحقيقة أن مثل هذه الآراء تعود لتنشر وتنتشر في الساحة الأمريكية مع تصاعد دخان الإرهاب مرة أخري في سماء الاهتمام الأمريكي، ومعها تبدو زيارة نائب وزير الخارجية لحقوق الإنسان للقاهرة منذ أيام محاولة للرد علي مثل هذه الآراء الدائرة في أمريكا، قال يعني إدارة أوباما بتعمل حاجة أهه، لكن إدارة أوباما لن تحرك لسانها بأي دعوة للإصلاح السياسي في مصر ولو علي رقبتها، حيث تدير ثلاث جهات موقف أوباما مع نظام مبارك، الجهة الأولي هي إسرائيل وجماعات الضغط اليهودية في أمريكا، وهي تدعم مبارك بقوة وتؤيد نجله وتعتبر أن أي مساس بالنظام المصري هو مساس بأمن إسرائيل، الجهة الثانية هي المخابرات الأمريكية «سي آي إيه» التي تدير أكبر عملية تأييد لحكم مبارك حيث تتعاون معها مصر بشكل يفوق تصورها وربما أحلامها، أما الجهة الثالثة فهي وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون). والحقيقة أن أعظم ما يمكن أن تقدمه أمريكا للإصلاح في مصر أن تحل عنه، فهي: 1- تكشف خدمة النظام المصري لأهداف أمريكا، بحيث تسحب عنه أي أوهام ومزاعم باستقلال مواقفه، بل هي تابعة للبيت الأبيض. 2- إنه مع عام 2005وحيث بدأ الحكم المصري يفتح بوابة التغيير فقد ظهرت أسماء وصحف وشخصيات وجمعيات اعتقدت واهمة أن النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة فعملت فيها معارضة ومستقلة ومطالبة بالتغيير، فلما انسحب الضغط وعاد النظام قويًا وشديدًا وأظهر عينه الحمراء عاد هؤلاء إلي جحورهم الآمنة بالتودد للنظام، بل بالعمل معه وله في أجهزته وإعلامه بل حزبه، ومن ثم لم يبق منهم أحد علي الساحة، بل ظل المؤمنون بالحرية حقًا وصدقًا وحدهم يسعون من أجل الديمقراطية ويتحملون التشويه والتشويش ورياح سموم الإحباط واليأس.. والحرث في الماء!