من أصول القانون ألا يمثّل أيا كان شخصا، طبيعيا أو معنويا، آخر إلا بتفويض أو توكيل سليم شرعا وقانونا. ومن يدعى التمثيل من دون مثل هذا التفويض يواجه عقوبة التزوير أو الحنث باليمين. وترجمة هذه القاعدة القانونية في أصول الحكم، ألا يمثل أيا كان البلد أو الشعب أو يتحدث باسم أيهما، إلا إذا كان حاصلا على مثل هذا التفويض السليم، وسبيله في نظم الحكم الديمقراطية هو انتخابات عامة، حرة ونزيهة، تشارك فيها عامة المواطنين بحرية واطمئنان. أما وقد ثبت، للقاصي والداني على حد سواء، أن الانتخابات في مصر تزور تزويرا أشراً ومفضوحا، بل يزيد نظام الحكم التسلطي باطراد وبدأب وفجور، من تفكيك جميع ضمانات نزاهة الانتخابات إلى حد نزع جميع ضمانات النزاهة الانتخابية من الوثيقة القانونية الأسمى، الدستور، واصطناع أشكال من التحكم الإداري في نتائج الانتخابات يقوم عليها صنائع للنظام مضمون ولاؤهم للمتسلط الكبر وثلته، ولو خيانة للضمائر ولأقسام قطعوها فيما سبق بحماية الحق والقانون. حيث ثبت كل هذا، فلا يحق، لا شرعا ولا قانونا، لمن أُنجح عنوة واقتدارا في انتخابات بادية التزوير أن يتحدث باسم مصر أو الشعب المصري. ولا يقتصر أمر فساد تفويض "الناجحين" في الانتخابات في مصر في ظل الحكم التسلطي على التزوير الفاجر الذي يقلب نتائج العملية الانتخابية رأسا على عقب في جنح اليل تحت سطوة البطش البوليسي لإنجاح مرشح حزب الحاكم بعد أن تبين أو حتى أعلن فوز مرشح منافس، كما حدث في واقعتين شهيرتين في الانتخابات التشريعية السابقة انتهتا بتبوء مرشحا حزب الحاكم، المُنجحين زورا، اثنتين من أهم لجان المجلس التشريعي، الدستورية والشئون الخارجية. ولكن فساد العملية الانتخابية في مصر تحت الحكم التسلطي يمتد إلى منظومة متكاملة ابدعتها عقول قانونية منحرفة وفاسدة وتسهر على تنفيذها أجهزة بطش بوليسي لا يحكمها وازع من مبادئ أو أخلاق، ولا ترعوي. وتشمل منظمة السوء هذه إفساد الحياة السياسية برمتها بخنق الحريات المفتاح للرأي والتعبير والتنظيم (التجمع السلمي وإنشاء المنظمات في المجتمعين المدني والسياسي)، وشق صفوف المعارضة وإذكاء التناحر بين فصائلها، وشراء بعضها بصفقات مشبوهة، والتضييق على المرشحين من خارج حزب الحاكم، بل وصلت حد منع الناخبين أنفسهم من الإدلاء بأصواتهم في الدوائر التي يقدّر زبانية النظام قلة فرص مرشح الحزب الحاكم فيها، وانتهاء بالإصرار عل إهدا رجميع ضمانات النزاهة مثل الإشراف القضائي والمراقبة الخارجية. هذا ناهيك عن اقتراف جميع أشكال العبث الإداري بنتائج التصويت التي يعيث فيها عمال الحكم التسلطي، في حماية قوى البطش البوليسي، فسادا حتى تخرج نتائج العملية الانتخابية على هوى أساطين الحكم التسلطي. إن منظومة السوء هذه تنفي عن العملية الانتخابية في ظل الحكم التسلطي في مصر شروط الحرية والنزاهة اللازمة لاعتبار الانتخابات مكونا أصيلا للحكم الديمقراطي. والأهم أنها تقوّض أي تفويض لمسئولي الحكم التسلطي بالتحدث نيابة عن أرض الكنانة أو شعب مصر العظيم ولو غدعوا مثل هذاالتفويض بناء على النجاح في انتخابات فاسدة جرت في ظل الحكم التسلطي. بل تضع مثل هؤلاء موضع المزور الحانث باليمين أمام أي قضاء عادل يحكم بالحق. وإذا كان الحال كذلك، فما بال قيادات الحكم التسلطي في مصر يتبجحون بالحديث بالنيابة عن مصر وشعب مصر، بينما مصر وشعبها منهم براء. ويفعلون ذلك وهم يعملون بدأب ضد مصالح الشعب ومصلحة مصر لخدمة مصالح شلة احتكار السلطة والثروة المحيطة بالمتسلط الأكبر. إن هذا التبجح ليس إلا اختطافا لإرادة الشعب المصري ونهبا لإرادة مصر وإهانة لقدرها من أقٌزام يتطاولون عليه وعليها ويفلتون من العقاب باستخدام أدوات الحكم التسلطي و على رأسها الإعلام المدار والمزيف للحقيقة والوعي، والبطش البوليسي العاتي، والاستهانة بحكم القانون، والانتقاص من استقلال القضاء. ويبلغ التطاول على مصر والمصريين مداه عندما يتحدث باسم مصر وشعبها من لم يحصلوا على أي تفويض شعبي، ولو كان مزورا. انظر في تصريحات قيادات الحزب الحاكم، المسمى زورا وبهتانا، بالوطني الديمقراطي، وتصريحات ومواقف إمعات الوزراء، و الذين ليس لهم من علاقة بالشعب، مصدر السيادة والسلطة، إلا ادعاء المتسلط الأكبر الذي اصطنعهم لخدمته وخدمة شلة احتكار السلطة والثروة المحيطة به، بحصوله على تفويض من الشعب، يعلم الجميع أنه فاسد.