نعرف أن الدكتور كمال الجنزوري - رئيس الوزراء الأسبق - منذ أن غادر منصبه وهو حريص علي ألا يتكلم حول أسباب خروجه، ربما كانت له أسبابه التي تقنعه بالصمت لكنها ليست بالضرورة تقنعنا، خاصة لمن كان يشغل منصب رأس السلطة التنفيذية.. المؤكد أن الرجل لديه الكثير الذي يمكنه أن يقوله لكنه يعرف أن هذا قد يكلفه ما لا يطيق أو يستطيع عليه صبرًا. كل هذا نعرفه، لكن ما لا نعرفه هو أن تنشر الصحف ما يمس ذمة الدكتور الجنزوري ثم يواصل الرجل الصمت تجاه ما نشر، رغم أن ما نشرته الصحف عن تصرفات رئيس الوزراء الأسبق قد يعرضه للمساءلة القانونية، لذا فكان ينبغي علي الجنزوري أن يبادر بالرد والتوضيح، وقد انتظرت أسبوعًا كاملاً كي أقرأ تعليقه علي ما نشر لكنه لم يفعل، مما يفتح بابًا كبيرًا للتساؤلات ويزيد من علامات التعجب، خاصة إذا علمنا خطورة الوقائع التي نشرت في حق الجنزوري. القصة تبدأ عندما باع مجلس الوزراء برئاسة الجنزوري عام 98 سبعة آلاف فدان في منطقة شمال طريق القطامية بالعين السخنة بالسويس لثلاثة من كبار رجال الأعمال هم محمد فريد خميس وأشرف مروان ومحمد الجارحي (ومش كده وبس) وفوضهم نيابة عن الدولة في تقسيم تلك المساحة الهائلة إلي قطع أصغر ثم إعادة بيعها بمعرفتهم علي الراغبين في البناء عليها.. وقد نص التعاقد علي حصول رجال الأعمال الثلاثة علي نسبة 90% من سعر الأرض لأنفسهم بعد البيع.. وحصول الحكومة علي نسبة ال 10% المتبقية.. وجري البيع لرجال الأعمال الثلاثة بالأمر المباشر دون مزايدة. الغريب أن مجلس الوزراء لم يكتف بعملية البيع لرجال الأعمال الثلاثة السابقين فقط إذ إنه عاد مرة أخري وباع لثلاثة رجال أعمال آخرين (لا أعرف سر الرقم 3 في عمليات البيع) هم أحمد عز ونجيب ساويرس ومحمد أبو العينين أرضًا في نفس المنطقة بنفس الشروط السابقة وزاد عليها بتحديد سعر متر الأرض بعشرين جنيهًا. الواقعة السابقة وفق التفاصيل المنشورة.. إن صحت وأظنها كذلك.. فهي تحوي واقعة لا يجب السكوت عنها لأكثر من سبب منها.. أولاً ضخامة حجم المساحة المباعة (حوالي ثلاثين مليون متر مربع) فيما يخص رجال الأعمال الثلاثة الأوائل.. ثانيًا انخفاض سعر بيع متر الأرض الذي بلغ عشرين جنيهًا فقط في حالة البيع الثانية.. يابلاش.. ثالثًا تنازل الدولة عن سلطاتها لرجال الأعمال المشترين عندما منحتهم الحق في تقسيم الأرض وإعادة بيعها للآخرين.. وتلك عملية سمسرة في أروع صورها والدولة هنا أشبه بالتاجر الخايب الذي لا يعرف قيمة ما يملكه فيبيعه بثمن بخس. المؤكد أن الحكومة عندما باعت تلك المساحات الضخمة من الأراضي فإنها لم تهدف إلي تحقيق التنمية في تلك المنطقة.. والدليل هو إعطاء المشترين الحق في تسقيع الأرض ثم إعادة بيعها.. كأن الدولة عاجزة بكل جهازها البيروقراطي عن بيع تلك المساحات الضخمة من الأراضي التي تملكها.. ناهيك عن أن العقد قد نص علي أن تحصل الدولة علي عشرة بالمائة فقط من عائد البيع. لا أعتقد أن تلك الوقائع المنشورة يجب السكوت عنها.. كما لا أظن أنه من الكياسة السياسية أن يصمت الدكتور الجنزوري تجاه ما نشر.. فليس في مثل هذه المواقف التي تمس الذمة السياسية يسكت المسئول.. إلا إذا كان في الموضوع (إن).. إننا نحترم الدكتور الجنزوري لذا ننتظر منه الإجابة عن الأسئلة التالية: 1- ما تفسيره لعقد البيع السابق وكيف قبل مجلس الوزراء برئاسته أن يجري هذا البيع بهذه الشروط؟ 2- ما هدف الحكومة من وراء بيع هذه الأرض خاصة أن التنمية لم تكن هدفًا لبيع تلك المساحة الهائلة لرجال الأعمال بل السمسرة وتحقيق مكاسب رأسمالية ضخمة لهم؟. 3- لماذا وكيف تم البيع بهذا السعر المتدني وفقًا لأسعار هذا الزمن؟ تكلم يا دكتور جنزوري حتي تبرئ ساحتك وذمتك.. فالسكوت هنا ليس من ذهب.