أى كلام عن الأسماء المرشحة لتولى وزارات معينة.. مجرد توقعات شخصية تعبر عن رأى صاحبها.. فلا يملك مصدر رسمى واحد مهما علا شأنه فى مصر أى تفاصيل عن هذا الموضوع، وربما لا يعرف عنه رئيس الوزرء أكثر مما نعرف نحن.. ولن يستطيع أحد أن يعرف الخبر اليقين عن التعديل المرتقب إلا إذا كان الرئيس شخصيا قد أبلغه به وبتفاصيله. ومنذ استقالة الوزير محمد منصور من وزارة النقل، وبورصة التوقعات الصحفية والفضائية فى ارتفاع مستمر.. فالكل يتحدث كأنه عليم بتفاصيل هذا التعديل علم اليقين، رغم المسافات الواسعة بين التوقعات.. فهناك من يؤكد أنه تعديل محدود، وهناك من يرى أنه تعديل واسع شامل.. وقد ارتبكت تلك البورصة بعد أن استدعى المهندس سامح فهمى وزير البترول للرئاسة صباح الأربعاء الماضى، فذهب مسرعا وجلس مع الرئيس 10 دقائق فقط، وخرج بعدها مسرعا أيضا لحضور مجلس الوزراء، ولم ينطق بكلمة عما دار بينه وبين الرئيس، فزادت التكهنات بأن سامح فهمى ربما يكون مرشحا لرئاسة الحكومة خلفا للدكتور أحمد نظيف نفسه، رغم أن الوزير سامح فهمى نفسه كان مرشحا للخروج من الوزارة منذ شهور قليلة. ولكن الحقيقة أن أحدا من المصريين على اختلاف درجات قربهم من مراكز اتخاذ القرار السياسى لايملك القدر القليل من العلم عن هذا التغيير المرتقب أو صفته، ولايمكن الاعتبار لأى كلام حول هذا الموضوع إلا مع بدء استقبال رئيس الوزراء للمرشحين قبل أداء اليمين الدستورية بساعات قليلة.. أما حاليا فلا يمكن التنبؤ بأكثر من أن وزيرا جديدا للنقل سوف يحل محل الوزير منصور، وربما يكون معه آخرون لا يعلمهم إلا الرئيس. وفوضى التوقعات الوزارية التى شهدتها مصر خلال الأيام الماضية، كانت بدافع الطمع الإعلامى فى سبق لا يمكن تحقيقه فى ظل سياسة الحجب والسرية المقترنة بالنظام العام الحاكم، وانعكاسا لرغبة شعبية فى التغيير الذى يأتى عادة بعيدا عما نطمح.. والمتابع لسير التوقعات خلال الأيام الماضية سيجد تحولا كبيرا بين أسماء الوزراء المرشحين للخروج، فيكاد كل الوزراء تقريبا متوقعون باستثناء المجموعة الملتصقة بمراكز اتخاذ القرار القديمة والجديدة فى النظام.. ولكن هذه الفوضى تكشف بوضوح عن كيفية إدارة أمور الدولة التى توصف بأنها ديمقراطية، ويقال إنها دولة مؤسسات.. فالقرار– من وجهة نظر النظام- قرار فردى خاص ليس لعامة الناس شأن به.. ولهذا يأتى التغيير فى أوقات غير متوقعة، وأحيانا تأتى به الصدفة.. ولكن لا توجد هناك مؤسسات تشارك فى صنع هذا القرار.. فقد تشارك بعض الجهات العليا الرقابية بتقارير حول المرشحين، ولكن يمكن ألا يلتفت إليها عند اتخاذ القرار. ونظرة سريعة للتغييرات الوزارية السابقة ستكشف ذلك بوضوح.. فقد أطيح بالدكتور محمود أبوزيد من منصب وزير الرى فى مارس الماضى فجأة، وحل الدكتور نصر علام بدلا منه.. ولكننا لم نستطع أن نعرف الأسباب التى دعت لهذا التغيير العاجل رغم مرور 9 شهور عليه، ورغم أن طريقة التعامل مع الدكتور أبوزيد كانت تنبئ بأنه أخطأ خطأ فادحا! ومنذ أعوام قليلة كان الدكتور ممدوح البلتاجى يشغل منصب وزير الإعلام، وفوجئ المصريون بأن الرئيس يصطحب أنس الفقى وزير الشباب والرياضة آنذاك معه فى زيارات سياسية خارجية، وبعدها فوجئنا بأن كل وزير منهما ذهب لمكتب الآخر، فأصبح البلتاجى وزيرا للشباب والرياضة، كما أصبح الفقى وزيرا للإعلام.. ووصفت الأمر وقتها بأن السياسة المصرية اخترعت اختراعا جديدا اسمه التبديل الوزارى.. وأذكر وقت الإعلان أننى سألت المتحدث الرسمى باسم رئاسة الجمهورية عن فلسفة هذا التبديل، فقرر ألا يجيب، وكأنه محظور علينا أن نفهم.. وأغلب الظن أنه لم يكن لديه تفسير. والناس تفهم جيدا أن ماينشر من توقعات لايتحقق، حتى أن وزيرا سابقا فى وزارة مرموقة اعتاد أن يجمع محتويات مكتبه وينقلها لمنزله كلما ترددت أنباء عن التعديل الوزارى، وكانت الصحف تنشر هذا الخبر فتوحى بأنه خارج من التشكيل الوزارى لامحالة، ثم يحدث التعديل بأسماء أخرى غيره، لأن اسمه «اتحرق» فى الصحافة، فيستمر فى المنصب. وفى عام 1999، كان مطلوبا أن تستقيل حكومة الدكتور كمال الجنزورى، ولم يكن أحد يعلم أسباب تلك الاستقالة مثلما يحدث فى النظم الديمقراطية الحقيقية.. وكانت القواعد تقضى بأن تجتمع الوزارة بمقر مجلس الوزراء لصياغة خطاب الاستقالة، ثم يحمله رئيس الوزراء للرئيس ويسلمه له بنفسه ويشكره.. ولكن فى هذه المرة لم تتبع القواعد، وتسلم خطاب الاستقالة مندوب من الرئاسة كان ينتظر خارج قاعة اجتماع مجلس الوزراء، وحملها المندوب للرئيس بينما غادر الدكتور الجنزورى لمنزله، ورغم مرور 10 سنوات لم نعرف الأسباب التى أدت لكل هذا الغضب من الرئيس على رئيس الوزراء والحكومة كلها.. بل لم يعرف أحد الأسباب التى دعت الرئيس لاختيار الدكتور عاطف عبيد خلفا للجنزورى رغم كل التحفظات التى كانت عليه خلال عمله كوزير لقطاع الأعمال العام. والأمثلة التى تكشف أسلوب اختيار الوزراء واستبعادهم فى مصر كثيرة.. وكلها تؤكد أننا بعيدون كل البعد عن الحسابات المنطقية التى تحدث فى الدول الديمقراطية.. وتفرض علينا أن نتعلم ألا ننشغل بمثل هذه الأمور.. ولكن الصحف ومن خلفها الفضائيات لا يتعلمون.. ويقعون دائما فى الفخ.. وينسون أن التعديل الوزارى سيظل سرا من أسرار النظام ليس لنا أى دخل فيه.. فنحن مجرد شعب.. لا أكثر! [email protected]