قال لي الإذاعي الكبير الراحل «جلال معوض» إن الرئيس «جمال عبد الناصر» كان يضج من كثرة الأغاني التي تتغني باسمه ولهذا في أحد الاحتفالات الوطنية لا أتذكر تحديداً إذا كانت السد العالي أم الثورة كانت التنبيهات صارمة علي الجميع وهي إياكم والغناء باسم «عبد الناصر».. التزمت «نجاة» و «محرم فؤاد» و «شادية» ثم وآه من «ثم» جاء دور المطرب الكبير «محمد الكحلاوي» الذي كان كعادته يردد عدداً من أغانيه الدينية والبدوية وفجأة غير في كلمات إحدي أغنياته أضاف اسم «عبد الناصر» ومن بعدها فقد «جلال معوض» السيطرة وانطلق الجميع يغنون باسم الزعيم!! لا أتشكك بالتأكيد في رواية الأستاذ الإذاعي الراحل الكبير ولكني فقط أتوقف أمام رغبة الزعيم في الغناء باسمه.. لا أتصور أن «عبد الناصر» كانت لديه اعتراضات بل المؤكد أنه كان سعيداً بما يجري، وجاءت الذكري الأربعون لرحيله قبل بضعة أيام لأستعيد عدداً من أغانيه عبر إذاعة الأغاني ووجدت نفسي أستمع إلي «أم كلثوم» وهي تغني علي مدي ساعة كاملة حققنا الآمال برياستك يا جمال بعد الصبر ما طال.. وتعيد وتزيد في هذه الكلمات عشرات المرات في هذه الكلمات الركيكة ونكتشف أن الذي كتبها هو زجال مصر الأول «بيرم التونسي» والذي لحنها هو عملاق الموسيقي الشرقية «رياض السنباطي» فما هي الشاعرية في «حققنا الآمال برياستك يا جمال» أو عندما يقول الشاعر «عبد الفتاح مصطفي» وهو أحد كبار شعراء الأغنية المصرية «الزعيم والثورة وفوا بالعهود ولسه دور الشعب يوفي بالوعود».. إنه يبرئ ساحة رجل واحد هو الزعيم ويدين شعباً بأكمله.. بالتأكيد ليست كل الأغنيات التي ردد فيها الشعراء اسم «عبد الناصر» كانت مجرد هراء وخوف من السلطة.. لا يمكن أن أصدق مثلاً أن أغنية «احنا الشعب احنا الشعب اخترناك من قلب الشعب» لصلاح جاهين وكمال الطويل ولا أغنية «يا جمال يا حبيب الملايين» لإسماعيل الحبروك والطويل ولا «أحمد شفيق كامل» وهو يقول «ضربة كانت من معلم خلي الاستعمار يسلم» لا أصدق أنها أغنيات كاذبة، لدينا بالتأكيد أغنيات عديدة عبرت بصدق عن المشاعر لم تكن تحت تأثير الخوف من «عبد الناصر» ولكن لو عدت إلي أرشيف الإذاعة سوف تكتشف أن البعض كان يبدأ كتابة اسم «ناصر» أو «جمال» والبحث عن أي وزن وقافية وملئها بمجرد كلمات، الأهم أن الرئيس نفسه لم يعترض علي هذا الإسراف ربما في لحظة قال كفاية حدث هذا ربما مرة ولكن الرئيس أسعدته هذه الأغنيات التي تعني أن الكل يذوب في واحد والذي يدفع الثمن بالتأكيد هو الكل. عندما سألت الموسيقار الكبير «كمال الطويل» وهو علي الأقل صاحب 90% مما ردده «عبد الحليم حافظ» من أغنيات وطنية واكبت الثورة أجابني بأنه لم يشعر ولو لحظة واحدة أنه يلحن لجمال عبد الناصر ولكن للوطن.. انتهت كلمات "الطويل" إلا أنني أضيف بأن هناك من غني بقناعة وهناك من غني لمسايرة الزفة وما تبقي فقط هي تلك الأغنيات التي قدمت بإحساس وبالتأكيد تحتل أغنيات «الطويل» و «جاهين» و «حليم» النصيب الأكبر منها.. وكما أن أكبر خطيئة ارتكبتها الثورة هي تعطيل المبدأ السادس بإقامة حياة ديمقراطية هو الذي دفعنا ثمنه ولا نزال فإن هذه الأغنيات التي ربطت بين حدود الوطن وشخص الرئيس هي التي لا نزال مع الأسف ندفع أيضاً ثمنها وتذكروا «محمد العزبي» وهو يغني قبل 15 عاماً «اخترناه اخترناه واحنا معاه لما شاء الله» وكأنه تنبأ بما يجري الآن!!