عندما كتب عمنا «صلاح جاهين» قبل ما يقرب من ربع قرن أن «البنت زي الولد مهيش كمالة عدد»، ثم جاءت سعاد حسني لتغني بحسها القادم من القمر هذه الكلمات العذبة العميقة، وحولها تتراقص مجموعة من البنات الرقيقات بفساتين الثمانينيات الزاهية - تخيل وقتها الفساتين الفاشية كانت موضة؟! - لابد أنه لم يكن يقصد مطلقا أن البنت زي الولد في النفاق أو - لا مؤاخذة - الموالسة والمحلسة- وهي بنت عم التزلف والرياء إلي آخر هذا القاموس الذي ينتهي ب«شلوت سعادتك دفعة بقوة ألف سنة ضوئية للأمام» - ولعل رحمة الله وحدها هي التي أنقذت صلاح جاهين وسعاد حسني من الصدمة لو عاشا إلي يومنا هذا فوجدا أنه في مصر الآن - وحصريا - البنت زي الولد فعلا لكن ليس في الحقوق - ولا حتي الزراعة - ولا المعرفة - حلوة المعرفة دي - ولا الدماغ المفتحة - بس ما تقولش دماغ-، وإنما - بعيد عن السامعين - متساوون في طرق الزحف والتسلق سعيا وتطلعا ووصولا إلي التكويش علي حسنيي هذا العصر.. المال والسلطة. انقل ناظريك بين حيطان البيوت وعواميد النور ولافتات القماش التي تخترق الشوارع، وأنت تعرف اللي فيها، إنها «الكوتة» ياسيد، التي لم تكتف بأن تداعب مشاعر «الكرسي» لدي قطاع عريض من نساء مصر، وإنما أيقظت فيهن جينات النفاق الكامنة تحت الأظافر منذ مئات من السنين.. بس هي الفرصة التي كن يبحثن عنها حتي ينافسن الرجال وبقوة في ذلك المجال الذي كان حكرا علي الجنس الخشن فترة طويلة من الزمن فبرعوا فيه وظهر منهم فيه رموز وكوادر وقيادات، وبدا أنه مجال يستحيل علي المرأة اختراقه حتي جاء الفرج من فوق وظهرت «كوتة المرأة» في مجلس الشعب فبدأ العرض. تقريبا، فإن نصف لافتات المتطلعات إلي دخول مجلس الشعب عبر الكوتة محجبات ونصفهن الآخر كاشفات لشعرهن، هذه إذن الحقيقة الأولي «التدين .. أو ظاهره لايقتل النفاق في القلب»، 90 % من «الكوتيتات» - نسبة للكوتة طبعا وليس للكويت بكل تأكيد - يلطعن صورهن بجوار السيدة سوزان مبارك حرم الرئيس، وهؤلاء من خانهن ذكاؤهن طبعا، أو أن نفاقهن لم يصل إلي الدرجة القصوي من اللياقة بفعل الابتعاد الطويل عن أرض الملعب، لأن هؤلاء يظنون أن الظهور في صورة - بدائية ومتنافرة التنسيق والألوان - مع حرم الرئيس مع كثير من العبارات العميقة علي غرار «تحت رعاية السيدة الأولي» - وكأنه حفل لجمع أموال للأيتام -، أو «تحت توجيهات السيدة الفاضلة» - وكأن حرم الرئيس اتصلت بهن شخصيا علي «البلاك بيري» وأصدرت لهن توجيهات بالترشح - يكفي للفوز بترشيح الحزب لهن ومن ثم الدخول «فلسعة» إلي داخل قبة البرلمان - أزعل منك لو متصور إن فيه انتخابات علي مقعد المرأة.. مش لما يبقي فيه انتخابات علي مقعد الرجال الأول! -، وهذه هي الحقيقة الثانية «أن النفاق قد يجعلك أقل ذكاء». أما ال10% المتبقيات فقد استعن بخبرات الجدات في المكر و«الدقرمة»، وضمت لوحاتهن الانتخابية صورة ضخمة للرئيس وحرمه وابنه - جمال طبعا - ثم وضعت هي صورة صغيرة لها وفي قلب صورة الأسرة الرئاسية حتي تبدو كأنها آخر العنقود أو فرد من العائلة! هكذا إذا لم يكن لانتخابات - بس ما تقولش انتخابات - مجلس الشعب القادمة أي فائدة سوي أنها ستجعلنا نشاهد كرافتة أحمد عز وشاكوش فتحي سرور وسيديهات النواب إياهم من جديد إضافة إلي أنها أكدت حقيقة أن «البنت زي الولد بس هي محتاجة الفرصة وأدي الكوتة جت»، فشكرا لها.. الانتخابات أو الكوتة أو البنت.. مش فارقة!