هذا الخبر استفزني: «حول أخلاقيات البحث العلمي يُلقي الدكتور حسام كامل رئيس جامعة القاهرة محاضرة علي أعضاء هيئة التدريس في الجامعة» ! فما الدافع الذي يدفع د. حسام إلي أن يلقي هذه المحاضرة ؟! كلنا نعلم أن سيادته قبل أن يلقي محاضرته بأيام قليلة، كان يمنح السيدة سوزان مبارك شهادة الدكتوراه الفخرية، فكيف قُبلت منه هذه الشهادة ؟! ألا تعلم أن هذه الدكتوراه لا تفسير لها سوي النفاق الصريح لزوجة رئيس الجمهورية الذي يعين المسئولين جميعاً ويعزلهم أيضاً؟! والحمد لله لم تمر هذه المهزلة الأخلاقية في ظلال الصمت والسكون، فقد تصدت لها حركة 9 مارس لاستقلال الجامعات، فما زال في أرض الكنانة من يدافعون عن وطننا العليل، والمحتل بقوة السلاح وسيطرة الفساد، وها هو نص البيان الذي وقع عليه مجموعة عظيمة من الوطنيين الشرفاء:- «تلقي الموقعون علي هذا البيان من أعضاء هيئة التدريس بالجامعات المصرية خبر منح جامعة القاهرة درجة الدكتوراه الفخرية للسيدة سوزان مبارك بمزيج من الشعور بالإهانة والألم والغضب. فمن المهين لكل أستاذ جامعي أن يستخدم اسم الجامعة المصرية العريقة، التي تمثل رمزاً للكفاح الوطني، في غايات شخصية. إذ لا نتصور أن يكون منح الدكتوراه الفخرية للسيدة سوزان مبارك قد تم إلا لأغراض تخص المسئولين في الجامعة، وفي قسم الاجتماع بكلية الآداب -الذين دفعوا بهذا الاقتراح- من الباحثين عن المناصب والراغبين في التقرب من السلطة. ومن المؤلم ألا نجد في مجلس كلية الآداب، أو في مجلس جامعة القاهرة، من يرفض هذا النفاق الرخيص ويفضحه. ولا نملك إلا أن نغضب لتكرار استغلال اسم الجامعة في مظاهر النفاق السياسي والتزلف للسلطة، فقد سبق أن منحت جامعة القاهرة درعها لعدد من أقطاب الحزب الحاكم، منهم السيد كمال الشاذلي وقت أن كان من أصحاب النفوذ في السلطة، بينما رفضت مجالس متعاقبة للجامعة منح درجة الدكتوراه الفخرية لعلماء أفذاذ يُشرف الجامعة انتسابهم لها مثل «أمارتيا سن»، عالم الاقتصاد السياسي المعروف، و«محمد عبد السلام»، عالم الفيزياء الحائز علي جائزة نوبل. إن من أبسط مبادئ الخلق العلمي والأكاديمي ألا يُمنح التكريم الجامعي لأصحاب السلطة، وأن ينتظر الراغبون في تكريم هؤلاء -إن كان هناك مبرر حقيقي للتكريم- لحين ابتعادهم عن السلطة. لذلك فإننا نعلن إدانتنا لهذا القرار الشائن، وندعو كل زملائنا من الجامعيين لإدانته بكل الصور، وفضح من اتخذوه من محترفي النفاق وعبدة المناصب». لقد تعلمت في جامعة القاهرة، وحصلت منها علي شهادتي الجامعية الأولي، فماذا حدث لها حتي تتحول إلي ساحة للتزلف السياسي والنفاق اللا أخلاقي ؟! جامعة أحمد لطفي السيد، وطه حسين، ومصطفي عبد الرازق، ومصطفي مشرفة وغيرهم من العظماء، يقودها حالياً نوع آخر من البشر، لا يهتم بالعلم، ولا بما يحدث للطلاب وأعضاء هيئة التدريس من اعتقالات ومضايقات أمنية، ولعل أحدثها ما حدث مع الدكتور شادي الغزالي حرب، ومنعه من السفر إلي إنجلترا لأداء امتحان الزمالة، ولتزامن الترتيب لحفل الدكتوراه مع خطف شادي، طرح المفكر الكبير جلال أمين هذا السؤال : «هل خطر لرئيس الجامعة أن مسئوليته في الدفاع عن كرامة رجاله في الجامعة أهم من مسئوليته عن ترتيب مراسم استقبال شخصية رسمية؟» الحقيقة المؤسفة أن بعض رؤساء الجامعات يتصرفون كالفنان توفيق الدقن وهو يقول : «أحلي من الشرف مفيش»!