قالت إنها عندما رأتني من بعيد اعتقدت للوهلة الأولي أنني عدت إلي الوراء في الزمن 30 سنة. «ياه.. أنا حاسة إنك كده نجلا أيام الجامعة». كانت تقصد تسريحة شعري، فبعد سنوات طويلة من المحاولة الجادة لإطالة شعري التي باءت بالفشل.. عدت إلي سابق عهدي، سمحت لمقص مصفف الشعر أن يعيد شكل شعري إلي نقطة البداية. منذ ذلك الحين أسمع التعليق نفسه «رجعت زي زمان». هذه المرة كان قد وقع التعليق مختلفاً، لم أدرك أنها تقصد شعري إلا بعد ثوانٍ اعتقدت خلالها أنها رأت داخلي.. أفكاري.. مشاعري.. وعرفت أنني عدت بها أو عادت بي إلي زمان. زمان عندما كان شعري قصيراً كنت أيضاً «ناصرية». فكرياً وعاطفياً وعملياً. كبرت قليلاً وفي مرحلة النضج.. تعلمت أن أراجع أفكاري.. أتمرد علي عواطفي.. وأرفض الانسياق والالتزام الذي يحد من حريتي ويمس استقلالي. فماذا حدث الآن؟! لماذا عدت إلي سابق تعلقي بعبدالناصر؟! لماذا أتذكره يومياً؟! وأستدعي روحه وأتخيل الحال لو كان موجوداً الآن.. بصوته.. وطلته.. قوته.. بصدقه.. مفاجآته.. حتي معاونيه ومن كانوا حوله. شاهدت محمد فايق في حوار طويل في برنامج «كنت وزيراً».. طوال الحوار كنت أشعر بأن الحسرة تعتصر قلبي.. فكرت أن أذهب لزيارة الأستاذ فايق لأعرف هل يشعر بالحسرة مثلي؟! لا أنوي أن أسأله سؤالاً مباشراً.. أنوي أن أجلس صامتة وأسمعه يتكلم.. في أي موضوع جار.. «الضبعة.. التأمين الصحي.. نجع حمادي.. التغيير الوزاري.. إنفلونزا الخنازير.. أي موضوع.. حتي كأس الأمم الأفريقية» سأعرف إن كان يشعر بنفس الحسرة أم لا؟! أغرب ما في حالة الحنين إلي زمن عبدالناصر التي تنتابني.. أن المحرك الأول لها لم يكن الفقر ولا الفساد ولا المرض ولا التطرف ولا التخلف، يحركني فقط كل ما له علاقة بالعروبة وحلم الوحدة. أسمع عن عدد القتلي في اليمن فأستدعي صورته، أقرأ تصريح خالد مشعل بعد هنية بالرغبة في زيارة القاهرة، فأتذكر كلماته، أتابع تبادل الاتهامات بين نجاد والفيصل، فأتمني وقفته. تشغلني حركات أردوجان الماهرة فأناديه نداء جمال بخيت «ارجع بقي». عندما قال لي سائق التاكسي :«وشك حلو، الحمد لله ابني بيقول إن الجزيرة هتزيع الماتش علي القناة المفتوحة، ده كان هيتجنن عشان أشتري له الكارت.. منين يا أستاذة؟». لم أفهم لماذا جعلتني هذه الجملة أتذكر عبدالناصر إلا عندما قرأت مانشيت «الدستور» أمس.. طارق دياب: «العروبة ماتت بموت عبدالناصر!!»