لابد أن تؤمن يا صديقي بنظرية «لبس الشغل»، وستجدها فارقة معك في تقييم كفاءة وجودة مهنية من تتعامل معه، لا تثق في طبيب يرتدي معطفًا متسخًا أو غير مكوي بعناية، ولا تأمن لميكانيكي يفحص سيارتك وهو يرتدي الجينز، لا تأكل من يد بائع ساندوتشات يرتدي مريلة ضاع لونها من كثرة البقع، لا تفرح بفلاح يقف في أرضه مرتديًا الترننج، ستكون مرغمًا علي احترام المكان الذي يقف في مدخله شخص بأزرق السيكيورتي، لكنك ستفكر كثيرًا قبل أن تترك مفاتيح سيارتك لسايس يرتدي جلبابًا، سيكون صعبًا أن تثق في نقَّاش يبدأ العمل في منزلك بملابس جديدة، ولكن ستكون متأكدًا أنك قد ضعت إذا ما وصل للمكان الذي اشتعلت فيه النيران جندي مطافئ يرتدي ملابس رجال الإنقاذ النهري. نظرة أي شخص لمهنته ستري لها تطبيقًا علي ما يرتديه أثناء العمل، المهن التي لا مجال فيها للاستهتار لا تتخلي أبدًا عن احترام الزي وتعاقب من يسيء معاملته كالقضاء والجيش والشرطة والمحاماة. ستجد فارقًا بين أبناء المهنة الواحدة التي لا تلزم أحدًا بزي معين، هذا الفارق مرتبط بما يرتدونه أثناء العمل، شغل رئيس التحرير الذي يرتدي بنطلونًا وقميصًا غير شغل رئيس تحرير ببدلة كاملة، لا تسألني أيهما أفضل فهذا يعود لما تبحث عنه في الصحافة.. هل هي أخبار بكرافتة أم مانشيتات بأكمام مشمرة. لبس الشغل خادع أحيانًا مثل الزي الرسمي للكناسين الذي أصبح يؤجر للمتسولين مثل الأطفال المخطوفة، وفانلات الأندية الكبيرة التي قد يرتديها ضعيف الموهبة في غفلة من الزمن، والجلباب البلدي الذي قد يرتديه مرشح الانتخابات أثناء جولته بين المرشحين، أو ملابس رجل الدين الذي يحمل ضغينة ما وأفكارًا هدامة تختبئ تحت قدسية كلماته. ستسألني عن السياسة، أري أن لبس الشغل الذي يليق ببلدنا هو «بدلة الزعيم جمال عبدالناصر». لا تحبه؟! لا يهم ولن أتورط في إقناعك بمحبته أو بتقديره علي الأقل لأن «اللي مايشوفش من الغربال يبقي أعمي». ستقول لي: له عيوب؟، أرجوك ضع هذه العيوب في قائمة مقارنة بعيوب الآخرين لتعرف الفارق جيدًا. هل تفرح بهامش الحرية وفرح الديمقراطية التي نعيش فيها الآن؟، فلترفع إصبعك وتشير إلي ترجمة حقيقية لها، الكلاب تعوي والقافلة تحمل خيرات البلد وتسير، هل تفرح بالكباري وسيتي ستارز ومارينا وجولف العين السخنة؟ لقد أصبح التطور في بلدنا مجرد شكل لكن المضمون خرب للغاية..وصل الإنسان إلي القمر لكنه يجد مشقة في عبور الشارع لزيارة قريب له قد تكتشف جثته بعد أيام من وفاته. بدلة عبدالناصر هي لبس الشغل لأنه أولاً له أخطاء لكنها كانت أخطاء في سياق مشروع واضح، لو كانت الأمور عبثية كما هو جار الآن لتاهت الأخطاء والكوارث التي نغطيها الآن بسهولة بكأس الأمم أو بعقد جدو أو بإنفلونزا الخنازير أو بقضية سوزان تميم، لكن أخطاء عبدالناصر ظهرت بينما يبني بلدًا ويعلي من شأن مواطن، ظهرت علي هامش مصانع وتعليم وتأميم زراعي وسد عالٍ ونهضة ثقافية شاملة في كل المجالات وهيبة أمام العرب والعالم ومشروع قومي له ما له وعليه ما عليه. لست بصدد الدفاع عن جمال عبدالناصر، شخص عاش أسبوعًا واحدًا في عهده أقدر علي هذه المهمة مني، ولكنني اكتشفت فجأة أنني مصاب بعقدة «لبس الشغل» ولدي مشكلة كبيرة في أن أصدق شخصًا ينزل الشغل وهو يرتدي «لبس شغل» ليس علي مقاسه.