كما يقال في العامية المصرية «نبدأ من الآخر» بمعني نترك الانتخابات ومعتركها حتي وقت لاحق، ونبدأ من التركيبة المتوقعة لمجلس الشعب القادم، الذي سينتخب بعد بضعة أسابيع من الآن. وبطبيعة الحال، فإن إثارة موضوع التركيبة هو أمر يتجه مباشرة -كما يقول عالم السياسة الأمريكي جي بلوندل في كتابه المجالس التشريعية المقارنة- إلي الأعضاء، فهم أهم مكون علي الإطلاق في البرلمان، فلا برلمان دون أعضاء، مهما رسم له من دقة في التنظيم والوظائف. من هنا يثور السؤال.. ماذا عن مجلس الشعب القادم من حيث تصنيف أعضائه من حيث العمر والنوع والدين والمؤهل، إضافة إلي التصنيف الفئوي أو المهني، وكذلك التصنيف الحزبي؟. من حيث السمات الشخصية، يمكن لنا هنا الإحالة إلي تلك السمات في مجلسي 2000 و2005، في الدراسة التي سبق لمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام أن قام بها، وذلك عند استشرافنا لملامح تركيبة العضوية في مجلس الشعب القادم. فمن حيث العضوية الجديدة، يتوقع أن يشارك عدد كبير من الأعضاء لأول مرة في هذا المجلس، فبرلمانا 2000 و2005 شارك فيهما لأول مرة 277 ثم 283 عضوًا، وهو ما يشير إلي احتمال حدوث زيادة أخري في البرلمان الحالي في عدد الأعضاء الذين لم يسبق لهم العضوية، خاصة بعد زيادة عدد مقاعد هذا المجلس من 454 عضوًا إلي 518 عضوًا. وبالمثل زادت الفئات العمرية الأكثر شبابًا علي حساب كبار السن، فالفئة العمرية(30-40عامًا) زادت من 35 إلي 43 في البرلمانين السابقين، والفئة (41-50عامًا) زادت فيهما من 133 إلي 175، لذلك يتوقع أيضًا زيادة كل عدد هؤلاء في البرلمان القادم، وهو إجراء محمود علي أي حال. الأمر نفسه بالنسبة للمؤهلات، فأصحاب المؤهلات العليا وفوق العليا زادوا من 253إلي 336 علي التوالي، وبالمقابل قل حملة المؤهلات المتوسطة ودونها، وهو مؤشر آخر علي تحسن الوضع التعليمي في البرلمان القادم. لكن علي مستوي الديانة قل عدد المسيحيين من 7 (3 منتخب و4 معين) إلي 6 (1 منتخب و5 معين) في البرلمانين السابقين، علي إننا نرجح أيضًا زيادة عدد المسيحيين في البرلمان القادم، رغم استخدام عامل الدين في الانتخابات الفردية في مصر بشكل سلبي، وهي زيادة ليست فقط من باب التعيين، بل وأيضًا من باب وجود ميل عام لدي السلطة لتمثيلهم في المجلس، كما حدث في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الشوري التي جرت في يونيه الماضي، ومثل فيها بالانتخاب 3 مرشحين مسيحيين. وبالنسبة للنوع، فبدون المقارنة مع البرلمانين السابقين اللذين شغلت المرأة فيهما 11 (7 منتخبة و4 معينة) ثم 9 (4منتخبة و5 معينات) فإن البرلمان الحالي وبحكم كوتة المرأة ستشغل فيه المرأة 64 مقعداً علي الأقل، هي إجمالي مقاعد الكوتة. صحيح أن تحديد هذه الكوتة، اصطدم برغبة السلطة بكم السيدات وليس الكيف، وصحيح أنها سعت لكوتة علي مستوي المحافظة ستعاني منها المرشحات أشد المعاناة، إلا أن المنتج النهائي بالمجلس سيكون 64 من الكوتة إضافة للمرشحات خارج الكوتة. وفيما يتعلق برجال الأعمال، فعلي الرغم من قلة رجال الأعمال وأصحاب المهن الحرة في المجلسين السابقين من 77 إلي 68، وهو العدد الذي جاء نتيجة توصيف الأعضاء لأنفسهم في بطاقة التعارف عند دخولهم البرلمانين، فإنه نتيجة الزخم الشديد الذي يحاط بالانتخابات الراهنة، يتوقع أن يزيد عدد رجال الأعمال الفائزين في تلك الانتخابات، لا سيما أنهم الأكثر مقدرة علي الإنفاق والدعاية، وأيضًا الحاجة لعضوية المجلس لدعم نفوذهم الاقتصادي بنفوذ سياسي. وبالنسبة للوزراء أعضاء المجلس، فرغم قلة عدد من ترشح وهو في منصبه في البرلمانين السابقين من ستة وزراء إلي أربعة فقط، فإن إقدام مايربو من تسعة وزراء علي الترشيح حتي اليوم، يشي بزيادة العدد عن البرلمانين السابقين، وهو علي العموم أمر غير محمود علي الإطلاق. فالنظام المصري ليس نظامًا برلمانيًا كي يترشح فيه الوزراء، بل هو أميل للتصنيف ضمن النظم الأوتوقراطية أو الفردية التي تتزين بوجود أحزاب كرتونية وانتخابات لا تتسم بالنزاهة، كما أن ترشيح الوزراء سيجعلهم كما يحدث في كل مرة يسخرون إمكانات وزاراتهم للترشح، بما لا يجعل هناك أي منافسة متساوية مع باقي المرشحين، وأخيرًا فإن وجود الوزير في البرلمان يحد من دور النائب الذي كفله الدستور كمشرع وكرقيب، بمعني هل يستطيع الوزير النائب أن يراقب حكومته في البرلمان؟!!! وبالانتقال إلي توزيع المناصب داخل المجلس، فهناك رئيس المجلس، والوكيلان، وأعضاء اللجان العامة، وأربعة من قيادات اللجان النوعية ال 19، كل هؤلاء لا يتوقع فحسب أن يخرجوا علي الحزب الحاكم، بل وأيضًا ستتكرر نفس أسمائهم إذا تجدد فوزهم، تمامًا كما يحدث بالنسبة لمنصب رئيس المجلس المنتظر أن يكون حكرًا في المجلس القادم علي الدكتور فتحي سرور، ولما لا والغالبية العظمي من مؤسسات الدولة بدءاً من رئاسة الدولة لا يوجد بها تداول حقيقي للسلطة بها. وفئويًا، فبحكم المادة 87 من الدستور، ستكون الغلبة للعمل والفلاحين، وهو أمر شائه ليس فقط لوجود تضارب دستوري بين تلك المادة والمواد 1و8و40 الخاصة بالمواطنة وتكافؤ الفرص والمساواة، ولكن أيضًا بسبب استغلال المرشحين للقانون المنظم لهذا الأمر، والتلاعب في الصفات الأمر الذي جعلنا نشاهد في المجلس ضباطًا متقاعدين ومهندسين ومحامين وأساتذة جامعة وأطباء من العمال والفلاحين. وواقع الأمر، أن تلك المشكلة رغم أنها قائمة منذ دستور 1964، فإنها استفحلت مع العودة لنظام الانتخاب الفردي عام 1990، حيث أصبحت الأحزاب لا سلطة لها في اختيار الغالبية العظمي من المترشحين لعضوية مجلس الشعب. لذلك يتوقع أن تستمر بكثافة في البرلمان القادم تداعيات تلك المشكلة، وتستمر معها كنتيجة لذلك الطعون والاستشكالات علي أحكام المحاكم التي تطعن في الصفة، بما يعيد الأمر لمجلس الشعب (سيد قراره) نظرًا لأن الحكم في تلك الاستشكالات يتم عادة بعد بدء أعمال المجلس الجديد. وختامًا بالنسبة للتصنيف السياسي للأعضاء، فيتوقع من البرلمان القادم أن تزيد فيه نسبة أعضاء الحزب الحاكم عن برلمان 2005-2010 لأسباب عديدة منها علي سبيل المثال كوتة المرأة التي سيتحتم أن تفوز بغالبيتها الساحقة مرشحات الحزب الحاكم، بسبب شروط تطبيق هذا النظام الغريب للكوتة. أما بالنسبة للأحزاب والقوي السياسية، فمن المؤكد أنه بعد إلغاء قاعدة قاض علي كل صندوق فلن تعود أبدًا جماعة الإخوان لما كانت عليه، فمعظم مقاعدها ستوزع حتمًا علي أحزاب الوفد والتجمع والناصري، وربما يسعي بعض الأحزاب للدخول في صفقات مع الحزب الحاكم، وهي صفقات ليست بالضرورة صفقات لتزوير إرادة الناخبين كما حدث مع التجمع في انتخابات الشوري الأخيرة، ومع كل أحزاب المعارضة الرئيسة في انتخابات المحليات عام 2008، بل قد تكون الصفقات لضمان عدم الهجوم علي مرشحي الحزب المتفق معه كالوفد مثلاً، الذي لن يشارك -علي الأرجح- في صفقات هذه المرة لتزوير إرادة الناخبين، بل من الممكن ألا يهاجم لمجرد أنه شارك وسمح بتلميع وجه النظام وأكسب الانتخابات شرعية. وعلي أي حال، فإن سقف المعارضة في البرلمان القادم سيحدده كارتان بلغة الرياضيين، كارت أو خط أحمر، وهو خط ال 172 مقعداً، وهو نسبة ثلث عدد مقاعد المجلس، وهي النسبة التي تستطيع أن تقدم طلب تعديل الدستور، ومقابلها الاحتفاظ بنسبة الثلثين القادرة علي إسقاط العضوية عن أي عضو من أعضاء المجلس أو تفويض الرئيس في إصدار قرارات لها قوة القانون. أما الكارت أو الخط الثاني فهو كارت أصفر، أي كارت الإنذار، وهو حد ال 75 مقعداً وهو الرقم المطلوب من أعضاء مجلس الشعب لتزكية أي مرشح مستقل لرئاسة الجمهورية. أما أحزاب المعارضة الصغيرة فيتوقع فوز كل من يشارك منها ولو بمقعد واحد، لأن في ذلك تعزيزاً لوجه النظام في الخارج بمشاركة هذه الأحزاب في منافسة رئيس الحزب الوطني في انتخابات الرئاسة القادمة. وهكذا يتبين أن المجلس الجديد رغم بعض الإيجابيات التي ذكرت في بداية هذا الموضوع، لن يكن أحسن حالاً من المجلس السابق، بل علي العكس سيكون أشد وطأة منه، خاصة مع استمرار حال الخلل في التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعة... والله المستعان.