عندما بدأت «الجمعية الوطنية للتغيير» في جمع توقيعات المواطنين علي مطالبها السبعة، شكك الإعلام الحكومي في جدوي هذه الطريقة القديمة وسخر منها، ثم وضع حاجز المليون توقيع كدليل وحيد علي مشاركة الجماهير في مطالب التغيير. إذ كانوا يتصورون استحالة الوصول إلي مثل هذا الرقم في بضعة أشهر، وها هو عدد الموقعين يقترب من المليون، وسيزيد عليه، فماذا كانت النتيجة؟ اتجه جناح من أجنحة الحزب الحاكم للنزول إلي الشارع للحصول علي توقيعات المواطنين لترشيح جمال مبارك للرئاسة! وبينما شباب التغيير متطوعون يغامرون بشجاعة من أجل حث الناس علي التوقيع لمصلحة الوطن، وينشرون صور البرادعي ( 68سنة ) مع مطالب الجمعية مما عرضهم للاعتقالات، ومضايقات أجهزة الأمن. فقد جاءت حملة جمال مبارك علي العكس تماما، فمن ورائها أموال ضخمة تصرف بالملايين، علي عدد من «الأرزقية»، والأمن لا يتعرض لهم بل يحميهم، ولذلك تكاثرت صور جمال هنا وهناك. وسبق لي أن كتبت معلقا علي التصريح العجيب الذي قاله صفوت الشريف حين أعلن أن اسم مرشح الحزب الوطني للرئاسة لن يعلن قبل يونيو من العام المقبل! وكأنما اسم المرشح سر حربي خطير، والحقيقة أن صحة الرئيس مبارك وسنه ( 82 سنة )، لن تسمحان له بالاستمرار في ممارسة مهام منصبه، ومن ثم فلا أحد يعرف ما سيكون عليه الأمر بعد عام من الآن. لكن الأعجب من كل هذا، هو ما حدث حين سافر الرئيس مبارك ومعه جمال إلي أمريكا، إذ ظهرت فجأة صور اللواء عمر سليمان ( 75 سنة ) مدير المخابرات العامة، وعلقت فوق ملصقات جمال مبارك، وذلك باعتبار عمر سليمان هو البديل الحقيقي، والمرشح لرئاسة الجمهورية! وبالرغم من أن هذا الخبر كان الخبر الأهم الذي تناقلته وكالات الأنباء العالمية، فقد جري التعتيم عليه في وسائل الإعلام المصرية! ثم صدر أمر آخر بسرعة جمع صور سليمان من الشوارع، بعد أربعة وعشرين ساعة فقط! من يستطيع أن يطبع ويوزع صور مدير المخابرات، ثم يضعها فوق صور جمال مبارك؟ ومن هذا الذي يأمر الأجهزة بسرعة جمع صور سليمان المعلقة بالشوارع؟ ثمة شعور عام بقرب فراغ كرسي الحكم، وثمة صراع واضح علي العرش، وثمة قوي خارجية تؤثر في مجري الأحداث في مصر، ولعل ما ذكرته الصحف الإسرائيلية عن اللقاء الذي تم بين جمال مبارك ونتنياهو، جري في إطار نظرية المباركة الأمريكية والموافقة الإسرائيلية.