عندما كتبت معترضا علي تنفيذ وزارة الري مشروعها في توصيل مياه النيل إلي الطريق الصحراوي.. فقد كان عندي أسبابي، منها مثلا أن نصف سكان مصر يعانون عدم وجود مياه شرب نظيفة.. كما أن آلاف الأفدنة الزراعية لاتزال تروي بمياه الصرف الصحي.. وإذا كان لدينا فائض في مياه النيل فالأولي توجيهه إلي ما سبق.. أما توصيل النيل للسادة قاطني وملاك الطريق الصحراوي.. علي حساب دافعي الضرائب فهذا هو العبث بعينه. لكن الدكتور مجدي راضي - المتحدث باسم مجلس الوزراء - كان له رأي آخر قاله لي.. وبدأه بأن المشروع الذي تنفذه وزارة الري يحمل عنوان (تحسين الري بإقليم غرب الدلتا) ويضم مدن النوبارية والسادات وطريق العلمين وجانبي طريق مصر إسكندرية الصحراوي الذي يضم بمفرده 255 ألف فدان.. وعندما سألته: لماذا الاهتمام بهذا الطريق؟. قال:70% من صادرات مصر الزراعية تخرج منه إضافة إلي النوبارية والسادات.. ويمكن تلخيص كلام دكتور راضي فيما يلي: 1- يهدف المشروع إلي توفير مياه النيل للزراعة في ثلاث مناطق رئيسية -بعد أن تراجع مخزون المياه الجوفية بها-وهي النوبارية وتضم نصف مليون فدان.. ثم مائة ألف فدان بوادي النطرون-العلمين.. ثم سبعين ألف فدان بمنطقة غرب مدينة السادات.. وأخيرا 255 ألف فدان علي جانبي طريق القاهرةالإسكندرية الصحراوي. 2- شهدت منطقة غرب الدلتا تنمية زراعية ملحوظة باستغلال موارد المياه الجوفية المتاحة.. بعد تخصيصها للأفراد والجمعيات والشركات.. وتخصصت هذه المنطقة في زراعة الخضر والفاكهة إضافة إلي الإنتاج الحيواني والصناعات الغذائية.. وتدر عائدا اقتصاديا بين 300-500 مليون دولار سنويا.. وتوفر ربع مليون فرصة عمل غير العمالة الموسمية. 3- صاحب هذا النمو استنزاف شديد للخزان الجوفي غير المتجدد وظهرت بوادر التملح في العديد من الآبار.. مما يهدد استمرار الإنتاج الزراعي وضياع ما تم في المنطقة من استثمارات.. لذا استجابت وزارة الري لرغبات المنتفعين الذين قبلوا مبدأ تسديد رسوم إنشاء شبكة نقل مياه الري وتوفير خدمة توصيل المياه النيلية إلي باب كل مزرعة. 4- يهدف المشروع إلي تحقيق تكامل يعتمد علي الزراعة والتصنيع معا بهدف تحقيق قيمة مضافة للاقتصاد الوطني.. مثل إقامة مصنع لإنتاج صلصة الطماطم بجوار مزارع لإنتاج الطماطم. 5- سيتم تدبير مياه النيل لمنطقة غرب الدلتا من خلال تنفيذ مشروع طويل الأجل يهدف إلي تقليل الهدر في الري بالدلتا.. والذي سينتج عنه توفير 9 مليارات متر مكعب مياه سنويا.. سيذهب جزء منه إلي غرب الدلتا وآخر إلي سيناء.. ونفت الحكومة استفادة المنتجعات المقامة بتلك المناطق من مشروع وزارة الري.. والبديل المتاح أمامها هو المياه الجوفية. 6- سيتم تمويل المشروع كاملاً بقرض من البنك الدولي بضمان من الدولة المصرية.. علي أن يسدد القرض من عائد بيع المياه بسعر التكلفة إلي مشروعات القطاع الخاص الزراعية الواقعة في غرب الدلتا.. كما سيقام طريق يعبر النيل عند منطقة القناطر بحيث تنتقل العمالة بسهولة ويسر بشكل عمودي علي الطريق الصحراوي. 7-سيتم تنفيذ هذا المشروع من خلال الشركة بين القطاعين العام والخاص المحلي والعالمي من أصحاب الخبرات.. وتستعيد الشركة الفائزة استثماراتها في إنشاء منظومة النقل والتوزيع علي مدي 20 سنة، من المنتفعين إضافة إلي رسوم مقابل التشغيل والصيانة وفقاً لكمية المياه الفعلية المستخدمة. انتهي رد المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء لكن لدي بعض التساؤلات لوزارة الري ورئيس الوزراء سأوجزها فيما يلي: 1-يبدو المشروع من خلال القراءة النظرية إيجابيا مثلما هو الحال في غالبية مشروعاتنا القومية مثل توشكي وغيرها.. ورغم أهمية وضخامة المشروع لكن الإعلان عنه تم بهدوء من خلال خبر صغير نشرته أخبار اليوم علي لسان وزير الري بما لا يتناسب.. فأين الخلل؟ ولماذا لم يطرح هذا المشروع علي وسائل الإعلام للاستماع إلي وجهة نظر المتخصصين ومعرفة مدي جدوي المشروع. 2-أكدت الحكومة أن أصحاب المنتجعات الواقعة علي جانبي طريق مصر إسكندرية الصحراوي لن يستفيدوا من هذا المشروع.. وقد عودتنا خبراتنا السابقة أن القوانين توضع أولا ثم يلحقها قائمة استثناءات.. فما هي الضمانات القوية لتنفيذ هذا القرار؟.. ثم كيف ستمر مياه النيل أمام تلك المنتجعات التي يقطنها أصحاب الحظوة والنفوذ -للدقة أصحاب الأمر والنهي في البلد- ثم تريدون إقناعنا بأنهم سيسمعون الكلام ولن يحاولوا توصيل مياه النيل إلي أراضيهم؟! 3- إذا كنا سنوفر 9 مليارات متر مكعب سنويا من مياه الري بمنطقة الدلتا - دون التأثير في زراعات الدلتا- فلماذا لا تضخ الحكومة جزءا منها إلي المناطق المحرومة من مياه الشرب.. وملايين من المواطنين يعانون العطش في بلد النيل. 4- هل ضخ مياه النيل إلي مناطق غرب الدلتا ولايزال لديها مخزون من المياه الجوفية هو الأهم.. أم ضخ تلك المياه إلي المناطق الزراعية التي تروي بمياه الصرف الصحي؟! 5- إذا كانت تكلفة المشروع ملياري جنيه وسيتم تدبيرها بقرض من البنك الدولي بضمان الدولة المصرية.. فما هي الضمانات بألا تتحمل الخزانة العامة هذا الدين؟ ولماذا لا يسدد القطاع الخاص من أصحاب المشروعات الزراعية جزءا مقدما من تحت حساب المشروع.. خاصة أن الاستفادة القصوي ستكون محققة لهم بنسبة مائة بالمائة؟ 6- مشروع وزارة الري بضخ مياه النيل إلي منطقة غرب الدلتا وتحديدا طريق إسكندرية الصحراوي.. سيقفز بأسعار الأراضي والأفدنة الصحراوية هناك قفزات مجنونة وبالملايين.. والسؤال: كيف تحصل الدولة علي حقوقها من تلك القفزة السعرية للفدان الواحد، بينما تم بيعه بمائتي جنيه.. وهل سيعجز وزير المالية عن إيجاد حيلة من حيله العبقرية في اختراع ضريبة علي تلك الأراضي.