تواجه مصر تحديا خطيرا يتعلق بالمياه..بدأت المشكلة بزيادة الطلب بسبب التنمية الاقتصادية أو بسبب الزيادة السكانية أو التوسعة في استصلاح الأراضي لأغراض زراعية، وبينما كان الطلب علي المياه في تزايد مستمر فإنه وعلي الجانب الآخر ظلت حصتنا ثابتة من مياه النيل تحكمها اتفاقية 1929، ودخلت المشكلة مرحلة أكثر خطورة تمثلت في زيادة الطلب مع احتمالية تخفيض حصة مصر من مياه النيل بعد الأزمة الحالية مع دول الحوض، وتلك مشكلة كبري لن يتم حلها سريعا. إذا عدنا إلي المرحلة الأولي من المشكلة وهي زيادة الطلب علي المياه مع ثبات المعروض منها بسبب ثبات حصة مصر نجد أنه كان طبيعيا أن تبحث الحكومة المصرية عن بدائل للحل الذي كان جوهره تحقيق أفضل استخدام لمواردنا المائية وحسن الترشيد، خاصة أنها تتمثل في مصدرين رئيسيين فقط هما نهر النيل والآبار الجوفية إضافة إلي مصادر ثانوية مثل الأمطار. قدمت وزارة الزراعة خطتها لحل المشكلة تمثلت في تعديل هيكل الخريطة الزراعية في مصر عن طريق تقليل المساحات المزروعة بمحاصيل كثيفة الاستهلاك لمياه الري مثل الأرز مع توسيع زراعة المحاصيل التي تعتمد علي مياه أقل، بينما كان المحور الرئيسي لخطة وزارة الري هو تغيير استراتيجية منظومة الري عموما التي ظل الفلاح المصري يستخدمها عبر آلاف السنين باعتماد الري بالتنقيط بدلا من الري بالغمر. في الأسبوع الماضي بحث رئيس الوزراء الخطة مع وزيري الري والزراعة بهدف البدء في تنفيذها، وبسبب اتساع مساحة الأفدنة الزراعية التقليدية التي تروي بالغمر (حوالي خمسة ملايين فدان في الدلتا) اعتمدت الحكومة خطة مدتها عشر سنوات..هدفها تطوير منظومة الري وتعميم استخدام التنقيط بدلا من الغمر لحوالي نصف مليون فدان سنويا، والمتوقع رفض الفلاح المصري سياسة الري الجديدة. تهدف الحكومة من وراء تلك الخطة إلي توفير حوالي عشرة مليارات متر مكعب من المياه كل عام وهو هدف طموح وتستحق الخطة التشجيع والمساندة إعلاميا. السؤال الذي ينبغي توجيهه للحكومة الآن هو إلي أين ستذهب المليارات العشرة من المياه؟.. وقد نتحفظ كثيرا علي خطة إنفاق الحكومة لتلك المليارات العشر، حيث تنوي الحكومة ضخ ثلاثة مليارات من تلك العشرة إلي سيناء، وهذا لا اعتراض عليه..لكن النسبة الأعظم من تلك الكمية سوف توجهها الحكومة إلي الأفدنة الموجودة علي جانبي طريق مصر إسكندرية الصحراوي عبر حفر قناة تحمل مياه النيل وتخترق الطريق الصحراوي ومنه إلي طريق وادي النطرون ثم إلي مدينة العلمين التي أعلنت الحكومة أنها ستكون مدينة مليونية..عندي هنا أكثر من ملاحظة حول خطة إنفاق الحكومة المليارات العشرة من المياه: 1-أكثر من نصف سكان مصر يعانون من عدم وجود مياه شرب نظيفة، وثورة العطش والجراكن لاتزال تتكرر كل صيف..فلماذا لا يتم توجيه جزء من المليارات العشرة لحل مشكلة العطش ولو جزئيا؟! 2-في بلد النيل لاتزال لدينا آلاف الأفدنة الزراعية تروي بمياه الصرف الصحي، فإذا كان لدينا فائض في مياه النيل فالأولي توجيهه إلي تلك الأفدنة رحمة بصحة المواطنين..أما توصيل النيل للسادة قاطني وملاك الطريق الصحراوي، فهذا هو العبث بعينه. 3-رغم أن مصدرا حكوميا قد نفي لي استفادة المنتجعات المقامة بتلك المناطق علي طريق إسكندرية الصحراوي من مشروع وزارة الري، وأن البديل المتاح أمامها هو المياه الجوفية..لكن ما هي الضمانات لتحقيق ذلك. 4-كان يجب طرح خطة الحكومة عبر وسائل الإعلام للاستماع إلي وجهة نظر المتخصصين ومعرفة مدي جدوي المشروع.