أنت الآن أمام سيدة مجتمع ارستقراطية تتكلم مثل الأميرات، تعيش مع ابنها الضابط في منزل أنيق، ولا تعرف شيئا عن حياة من يسكنون الشارع، قد تصمت دقائق تفكر كثيرا في كل تلك الفخامة التي تغلف حديث السيدة وايماءاتها ولفتاتها، لكن من أين لك أن تصدق أن هذه المرأة سوف تأتيك بعد دقائق بوجه عابث تحفه التجاعيد من كل جانب، تحدث نفسها تقريبا بعدما تفشل في كل مرة في تدبير أمر زواج ابنتها، تسير بصعوبة في الحارة الفقيرة مستندة إلي همومها، ثم تصل إلي بيت أكثر فقرا تتدثر بأغطية بالية، وتحدث نفسها مرة أخري، ماذا سوف تفعل هنا؟ طبعا تصفيق حاد لصاحبة الأداء الرفيع سوسن بدر التي تجسد شخصية سعاد هانم في مسلسل «الجماعة» بشياكة وذكاء، ثم نجدها ذائبة ذوبانا تاما في شخصية صفية التي أوشكنا أن نخترق الشاشة ونعطيها ثمن «القطن» لتتم زيجة ابنتها صباح في مسلسل «الحارة».. تٌسخر سوسن بدر كل نقطة في جسدها وروحها لخدمة الشخصية التي تؤديها.. تشعر أن قلبها ينخلع وهي تتحدث بصوت مبحوح شبه باك عن «جوازة بنتها إللي مش عايزة تتم»، سوسن بدر طوال مشاهدها في «الحارة» ترتدي ثوبا واحدا تقريبا متسخا وباليا، وكالح السواد، لكنها الأكثر جذبا بذلك الجبروت الذي تمثل به، تنقل لنا خوفها وقلقها وقلة حيلتها بمجرد النظر، حتي إننا ننشغل بقصتها تماما، وتلازمنا خطتها لتدبير معيشتها طوال الليل، فهي أكثر من مجرد بائعة خبز، شبه حافية، توحي لك أنها علي حافة التسول، ولكنها نموذج لأم مصرية حقيقية ظروفها المعيشية سيئة لدرجة لا يمكن وصفها، لكنها بالمقابل تمتلك صبرا، وقوة تحمل لا حدود لهما، هي أيضا نموذج فائق الجمال لفن التمثيل الذي من فرط إجادتها لألوانه أوشكت أن تعلمنا إياه. سوسن بدر امتهنت الجرأة والاختلاف، والتميز، وأصبحت تحقق كل يوم نجاحا فوق نجاح، رغم أنها توجد كثيرا في رمضان هذا العام، لكنها دائما تملك القدرة علي أن تجعلك تفصل بين كل شخصية تقدمها، ولديها مقدرة أخري في ألا تجعل الملل يتسرب إليك أبدا من كثرة رؤيتها علي الشاشة.