رمضان هذا العام شكّل مرحلة فارقة في الرؤية البصرية الدرامية.. قدمت الشاشة الصغيرة مسلسلات أراها أحدثت نقلة نوعية في الدراما المصرية وهي "الجماعة" محمد ياسين "أهل كايرو" محمد علي "الحارة" سامح عبد العزيز والثلاثة مخرجون سينمائيون.. هناك جهد في التعبير بلمحات تنطق بها الشاشة لا أتحدث عن جمال الصورة ولكن عن الإحساس الفني كنت ألاحظ غيابه في السنوات الأخيرة وكأن الدراما المصرية قد مضي بها قطار العمر وهكذا كنا ننبهر مثلاً بالمخرج "حاتم علي" في مسلسل "الملك فاروق" وهو يقدم نبضاً مغايراً للشاشة التي تعودنا عليها.. ثراء بصري افتقدناه ليس لأن المخرج يستخدم كاميرا واحدة مثلاً ولكن لأن لديه رؤية درامية شاملة في العمل الفني.. الدراما التليفزيونية تحتاج إلي عين مخرج بحق وحقيقي وليس مجرد مخرج يقوم بدور مخرج مثلما نشاهد في الأفلام السينمائية الجيدة ليس معني ذلك أن مخرجي السينما هم فقط القادرون علي التغيير.. لقد سبق لعدد من مخرجي السينما أن دخلوا إلي مجال الفيديو باعتباره أداة لكسب العيش بعد أن ابتعدوا عن السينما أو بتعبير أدق ابتعدت عنهم وكان "حسام الدين مصطفي" هو الأول وتتابعت أسماء مثل "سمير سيف" ، "علي عبد الخالق" ، "خيري بشارة" وكان الوحيد الذي اعتبر الدراما التليفزيونية في العديد من أعماله التليفزيونية تعني التفاصيل هو "نادر جلال" رأيت ذلك مع مخرجينا "سامح" و "ياسين" هذه هي التجربة الأولي لكل منهما بينما "محمد علي" كانت لديه محاولة سابقة العام الماضي في مسلسل "حكايات وبنعيشها".. تستطيع أن تري في هذه المسلسلات الثلاثة أن البطولة الحقيقية للقيمة الدرامية والفكرية وحيد حامد "الجماعة" بلال فضل "أهل كايرو" أحمد عبد الله "الحارة" ورغم مشاركة نجوم فإنها أعمال درامية صناعها الحقيقيون هم الكاتب والمخرج.. النجوم عنصر رئيسي في توصيل روح النص لكن هذا لا يعني الخضوع المطلق لهم لو تأملت مقدمة تترات "الجماعة" لأدركت أن المخرج من البداية يضعنا باختياره اللقطات من أعلي وتتابعها في حالة من البحث والتأمل ثم لجوئه إلي استخدام الموسيقي التصويرية لعمر خيرت وليس الغناء مثلاً لأنه كان يبحث عن رؤية أرحب.. لو راجعت "الحارة" لرأيت هذا الصدق الإبداعي في تلك الطبيعية والتلقائية التي تسيطر علي الجميع.. لو تذكرت مثلاً "أهل كايرو" الأسلوب الجديد في تقديم الشخصيات وتقسيم الشاشة في لقطات والحدث الواحد المحدد الزمن والمكان - الفرح - والذي رأيناه علي مدي ثلاث حلقات وكيف تعامل المخرج مع ضيق المكان امتلك تلك التفاصيل في التعبير بالصورة واللعب بمفردات الزمن!! أراها ثورة قادمة دشنت هذا العام من خلال ثلاثة مسلسلات ومن لم يلحق من المخرجين بقطار التغيير فلن يجد في العام القادم قطاراً آخر!!