حتي صباح الثلاثاء الماضي.. بلغ عدد أعضاء الحزب الوطني الذين سحبوا استمارات المجمع الانتخابي بالحزب للترشح لعضوية مجلس الشعب حوالي خمسة آلاف مرشح.. وقد سدد كل منهم مبلغ الإتاوة التي فرضها عليهم الحزب وقيمتها 15ألف جنيه كحد أدني مع مضاعفتها حسب رغبة الزبون «المرشح».. وبحسبة بسيطة ستكتشف أن الحزب الوطني نجح في جمع 75 مليون جنيه من عائد هذه الإتاوة «حاصل ضرب عدد المتقدمين للترشيح في الحد الأدني للتبرع» إضافة إلي خمسة ملايين جنيه أخري من حصيلة بيع استمارة الترشيح بسعر ألف جنيه. بضربة حظ أو ضربة من الهوا.. حقق جهابذة الفكر الجديد بالحزب الوطني ثروة نقدية في عام الكساد وأدخلوا لخزينة الحزب ثمانين مليون جنيه دفعة واحدة بدون شغلة أو مشغلة.. لا نعرف هنا إذا كان الحزب قد فرض تلك الإتاوة علي مرشحيه في انتخابات الشوري أو المحليات السابقة أم لا.. لكن المؤكد أن تلك ستكون سياسة الحزب للأبد. المفاجأة أنني عندما كتبت عن تلك الإتاوة فإن البعض قد ساوره الشك فيما ذكرته ورأوا أن به قدرا من المبالغة.. وكان من هؤلاء السياسي الكبير منصور حسن الذي قال لي: إنه كان يسمع عن تبرعات هنا أو هناك لكنه لم يصدق أن الأمور قد بلغت بالحزب الحاكم هذا المنتهي الذي يتم فيه تقنين عجائب الأمور ومفاسدها بهذه الطريقة. دهشة منصور حسن طبيعية ولها ما يبررها.. لأن الحزب الوطني إذا كان يبحث عن تمويل فأمامه مصادر متعددة مثل الاشتراكات والتبرعات لكن فرض رسوم إجبارية علي المرشحين يشكل خطورة علي العمل السياسي.. لأن عضوية البرلمان ستكون «أصبحت» لمن يملك أو من يدفع وليس للكفاءات التي ستتواري أمام ما تراه.. ويحل محلها أصحاب الحظوة والنفوذ والأموال. وعندما يقول سياسي بوزن وخبرة منصور حسن إن ممارسي العمل السياسي الذين يسعون بحق لخدمة وطنهم دون أهداف شخصية لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة من بين الآلاف التي نراها.. فإن علينا تصديق الرجل لأنه قد اكتوي وعرف عن قرب شديد ما يجري في دهاليز الأحزاب وعينة الأعضاء التي تتكالب علي مصالحها. لا نستطيع أن نلوم حزبا يتلقي تبرعا من أعضائه أو أشخاصا يتبرعون لحزبهم لأن هذا في صميم العمل الحزبي.. بشرط أن يجري ذلك طوال العام ولا يكون مقصورا علي فترة الانتخابات فقط.. وأن يكون التبرع متروكا لرغبة الأعضاء دون إجبار.. أما ما يمارسه الحزب الوطني علي أعضائه فهذه إتاوة عيني عينك.. يحصدها الحزب من أعضائه وهو في الوقت نفسه يعرف أن هؤلاء الأعضاء سيعوضون ما دفعوه أضعافا مضاعفة.. شيلني وأشيلك. لا أدري هنا مدي علم الأستاذ منصور حسن بالتبرعات السنوية لأكابر الحزب الوطني من رجال الأعمال.. حيث يسدد عشرون من كبار رجال الأعمال مبلغ مليوني جنيه دفعة واحدة في بداية كل عام علي سبيل التبرع للحزب.. أي يحصل الحزب علي أربعين مليون جنيه سنويا من أعضائه رجال الأعمال. عندما عرفت خبر التبرع المليوني من بعض رجال الأعمال المتبرعين.. فإنني تساءلت عن حجم العائد الذي يحققه هؤلاء جراء هذا «التبرع» المليوني.. وإذا تبرع رجل أعمال بمثل هذا المبلغ.. فهل يكون ذلك لخدمة الله والوطن والحزب الكبير أم أن له مآرب أخري.. وهل سيحق للحكومة وأجهزتها أن تفتح فمها مع هذا المتبرع إذا خالف أمرا أو تجاوز عرفا أو خرق قانونا.. الإجابة المؤكدة بالنفي لأنه سيكون قد كسر عينها وعين حزبها.. وهذا هو جوهر العمل السياسي الذي أصبح سائدا في حياتنا الآن.