وكأنها لم تمثل قبل ذلك أبدا.. ينطبق هذا القول علي رانيا يوسف التي ترتدي في رمضان هذا العام ثلاث شخصيات تشعرك مع كل منها أنها وجه جديد يمثل بملء طاقته وحماسه.. تعطي للمشاعر حقها سواء كانت مشاعر فرح، أو مرارة، أو رضا، أو اشمئزاز.. ليس سرا أن هذه هي المرة الأولي التي تأتينا فيها رانيا يوسف بكل هذا التألق، بعد عشرات من الأدوار التي كنا ننساها بمجرد اختفاء صاحبتها من علي الشاشة.. أدوار تذوب من ذاكرتنا، وتتساقط لأننا لم نلمح في أدائها شيئا خاصا، أو بصمة حقيقية، لكن ماذا حدث؟، من يملك تفسير تلك الطفرة المدهشة في أداء رانيا يوسف؟، هل هو النص، أم المخرج، أم هي الخبرة التي جاءت كلها دفعة واحدة؟ رانيا يوسف في رمضان هذا العام هي صافي سليم في «أهل كايرو»، وثناء في «الحارة»، وبسنت في «مذكرات سيئة السمعة».. الأولي سيدة مجتمع شهير، ولامعة، ومتناقضة، وخائفة، وشرسة، وضعيفة، وتثير الشفقة، لكن بعد لحظة تجد نفسك من أوائل الشامتين فيها، ثم تعود وتلوم نفسك مرة أخري لأنها كائن مهشم تماما.. هي فقط تنجح في أن تخفي ذلك بمساحيق التجميل الكثيفة، وبمزيد من الغضب، والجدية. أما ثناء فهي سيدة تكتفي بأقل القليل الذي تعيش به، لكن الدنيا أيضا لا تتركها، فهي لا تكاد تخرج من مشكلة، حتي تجد واحدة أكثر صعوبة تنتظرها علي عتبة المنزل الذي أوشك علي التهاوي، ثم بسنت المرأة الفقيرة أيضا التي تحمل هموما أكبر من عمرها. رانيا يوسف كانت علي قدر مسئولية الشخصيات الثلاث.. أبكتنا عليها جميعا، وأثبتت أن الموهبة شيء عصيّ علي الفهم، تطاوع صاحبها متي شاءت هي.. رانيا يوسف تمثل هنا بإقناع لم يتح لها من قبل، وبنضج لم نكن نتصور أنه سيأتيها هكذا بغتة.. تضبط انفعالاتها علي قدر المشهد، ثم تزاول مهنة الصدق التام وهي تنطق الحوار الذي نجحت في أن تعطيه هذه المرة نكهة وطعما يخصها من خلال انفعالات الوجه، ونبرات الصوت التي تتلون، وتتشكل حسبما يقتضي الأمر، والصمت الذي يسكن في الفواصل بين الجمل التي اكتسبت بعدا آخر هنا.