عباس شراقي: فيضانات السودان غير المعتادة بسبب تعطل توربينات سد النهضة    البداية الرقمية للنقل الذكي في مصر.. تراخيص إنترنت الأشياء للمركبات تدخل حيز التنفيذ    وزير الإسكان: بدء تصنيف حالات الإيجار القديم وفق شرائح الدخل    لماذا كل هذه العداء السيساوي لغزة.. الأمن يحاصر مقر أسطول الصمود المصري واعتقال 3 نشطاء    مقتل شخص وإصابة 15 في هجوم روسي على مدينة دنيبرو الأوكرانية    تشكيل منتخب مصر أمام نيوزيلندا في كأس العالم للشباب    سلوت عن جلوس صلاح على مقاعد البدلاء أمام جالاتا سراي: رفاهية الخيارات المتعددة    خطة إطاحة تتبلور.. مانشستر يونايتد يدرس رحيل أموريم وعودة كاريك مؤقتا    مصرع 7 عناصر إجرامية وضبط كميات ضخمة من المخدرات والأسلحة في مداهمة بؤرة خطرة بالبحيرة    الأرصاد: الخريف بدأ بطقس متقلب.. واستعدادات لموسم السيول والأمطار    مفتي الجمهورية يبحث مع وفد منظمة شنغهاي آليات التعاون ضد التطرف والإسلاموفوبيا    مواقيت الصلاة فى أسيوط غدا الأربعاء 1102025    ماجد الكدوانى ومحمد على رزق أول حضور العرض الخاص لفيلم "وفيها ايه يعنى".. صور    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    محافظ القاهرة يناقش ملف تطوير القاهرة التراثية مع مستشار رئيس الجمهورية    من القلب للقلب.. برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    بعد رصد 4 حالات فى مدرسة دولية.. تعرف علي أسباب نقل عدوى HFMD وطرق الوقاية منها    جارناتشو يقود هجوم تشيلسى ضد بنفيكا فى ليلة مئوية البلوز    البورصة المصرية.. أسهم التعليم والخدمات تحقق أعلى المكاسب بينما العقارات تواجه تراجعات ملحوظة    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟ أمين الفتوى يجيب.. فيديو    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    أحمد موسى: حماس أمام قرار وطنى حاسم بشأن خطة ترامب    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    داعية: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار(فيديو)    نقيب المحامين يتلقى دعوة للمشاركة بالجلسة العامة لمجلس النواب لمناقشة مشروع قانون "الإجراءات الجنائية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    "الرعاية الصحية" تطلق 6 جلسات علمية لمناقشة مستقبل الرعاية القلبية والتحول الرقمي    البنك الزراعي المصري يحتفل بالحصول على شهادة الأيزو ISO-9001    محمود فؤاد صدقي يترك إدارة مسرح نهاد صليحة ويتجه للفن بسبب ظرف صحي    مصر تستضيف معسكر الاتحاد الدولي لكرة السلة للشباب بالتعاون مع الNBA    بدر محمد: تجربة فيلم "ضي" علمتنى أن النجاح يحتاج إلى وقت وجهد    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    بعد 5 أيام من الواقعة.. انتشال جثمان جديد من أسفل أنقاض مصنع المحلة    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    حسام هيبة: مصر تفتح ذراعيها للمستثمرين من جميع أنحاء العالم    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 رسميًا.. قرار من مجلس الوزراء    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    وفاة غامضة لسفير جنوب أفريقيا في فرنسا.. هل انتحر أم اغتاله الموساد؟    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    لطلاب الإعدادية والثانوية.. «التعليم» تعلن شروط وطريقة التقديم في مبادرة «أشبال مصر الرقمية» المجانية في البرمجة والذكاء الاصطناعي    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    التقديم مستمر حتى 27 أكتوبر.. وظائف قيادية شاغرة بمكتبة مصر العامة    كونتي: لن أقبل بشكوى ثانية من دي بروين    «مش عايش ومعندهوش تدخلات».. مدرب الزمالك السابق يفتح النار على فيريرا    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    احذر من توقيع العقود.. توقعات برج الثور في شهر أكتوبر 2025    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    بيدري يعلق على مدح سكولز له.. ومركزه بالكرة الذهبية    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    السيسي يجدد التأكيد على ثوابت الموقف المصري تجاه الحرب في غزة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحياة في 26 متراً
نشر في الدستور الأصلي يوم 26 - 08 - 2010

الحياة في 26 متراًكم تعتقد مساحة «الحمام» في شقق وفيلات وقصور السادة المسئولين والوزراء وأبنائهم وأقاربهم.. وهل تظن أنها تقل عن 26 مترا. هل تعتقد إذن أن هناك أسرة مكونة علي الأقل من خمسة أفراد يمكن أن تعيش طوال حياتها في مثل هذا الحمام.. أو مساحته؟ الإجابة نعم يحدث هذا في مصر لكن من قال إنهم «يعيشون» فعلا؟!
وهل يمكن أن تسمي هذه شقة أصلا وهي مساحتها لا تتجاوز 26 مترا، لا يوجد خطأ في المساحة فعلا إنها شقة مساحتها 26 متراً سلمتها محافظة القاهرة لعدد من سكان الدويقة بعد إزالة مساكنهم ضمن مخطط محافظة القاهرة بنقل سكان المناطق الخطيرة بالدويقة إلي مناطق أخري قالت عنها إنها مناطق أكثر أمناً، وبالفعل تم إخلاء السكان، وهدمت جرافات المحافظة مساكنهم، إلا أن المفاجأة كانت أنه لا توجد مساكن لهم، بل وقال لهم رئيس الحي والمسئولون بالمحافظة إنهم لا يستحقون مساكن بديلة وأنهم لن يحصلوا علي مساكن بديلة فاضطروا إلي الإقامة في الشارع ما يزيد عن أربعة أشهر وبالتالي عندمنا وجدوا خطابات من محافظة القاهرة تطالبهم بتسليم وحدات سكنية مساحة الواحدة منها 38 متراً مربعاً، فرح النائمون في الشارع وارتضوا أن ينحشروا في شقة مساحتها 38 متراً خيرا من الإقامة في الشارع إلا أن المفاجأة كانت عندما ذهبوا لاستلام الوحدات السكنية التي اشترتها لهم المحافظة بصحراء مدينة 6 أكتوبر لعدم وجود مساكن جديدة لهم بالمحافظة، كانت المفاجأة أنه عندما دخل كل واحد منهم الوحدة السكنية الخاصة به اكتشف أنها عبارة حجرة صغيرة وصالة جزء منها حمام وجزء آخر عبارة عن مطبخ، وقبل أن يقرروا أن يتركوها ويذهبوا إلي الحي، تذكروا أنهم كانوا ينامون في الشارع وبالتالي النوم في أي مساحة أفضل كثيرا من النوم في العراء بدون أي غطاء وعرضه للبلطجية، أحمد جمال يصف شعوره عندما استلم وحدته السكنية بمنطقة هرم سيتي قائلا: «كنت هتجنن الورق اللي معانا والخطابات بتقول إن الشقة مساحتها 38 متراً لكن لقيت الشقة مساحتها 26 متراً ويضيف بعت نص أثاثي عشان المساحة مش مقضية أي حاجة»، وأضاف أحمد «الأوضة حاطط فيها هدومي وهدوم العيال والدولاب مش عارف أنصبه ولا السرير كمان والصالة فيها الكنبة اللي بنقعد عليها طول النهار وبنام كلنا في الصالة بليل».
هكذا تعيش أسرة مكونة من 5 أفراد في صالة مساحتها لا تتجاوز 15 متراً مربعاً رغم الاتفاقيات والمواثيق التي وقعت عليها مصر وتطالب الدول الموقعة بأن تلتزم بما جاء بها، ومن هذه الاتفاقيات اتفاقية العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتي أفردت مساحة كبيرة لمسألة السكن الملائم وتوفير مساكن مناسبة وصالحة .
لا تعاني أسرة واحدة من ذلك الخلل بل هناك 250 أسرة تعيش حاليا في مساكن تقل مساحتها عن مساحة حمام أي مسئول في هذه البلد، دون أن يتحرك لأي من هؤلاء الكبار جفن ولم يفكر أي منهم كيف تعيش أسر كاملة في هذه المساحة التي لا تذكر ضاربين عرض الحائط بكل الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعوا عليها من قبل، اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة أصدرت في دورتها السادسة المنعقدة في عام 1991 تعليقها العام رقم 4 عن الحق في السكن الملائم وضعت فيه بعضاً من الشروط لاعتبار أن السكن ملائم من ضمن هذه الشروط أن يكون السكن صالحاً للإقامة فيه وقالت اللجنة في تعريفها معني «الصلاحية للسكن»: إن المسكن الملائم يجب أن يكون صالحا للسكن من حيث توفير المساحة الكافية لساكنيه وحمايتهم من البرد والرطوبة والحر والمطر والريح أو غير ذلك من العوامل التي تهدد الصحة، ومن المخاطر البنيوية وناقلات الأمراض. كما يجب ضمان السلامة الجسدية لشاغلي المساكن. وتحث اللجنة الدول الأطراف علي أن تطبق بصورة شاملة "المبادئ الصحية للسكن" التي أعدتها منظمة الصحة العالمية والتي تعتبر أن السكن يشكل العامل البيئي المرتبط علي نحو أكثر تواترا بالحالات المسببة للأمراض في تحليلات الوبائيات؛ أي أن السكن وظروف المعيشة غير الملائمة والمعيبة تكون بصورة دائمة مرتبطة بارتفاع معدلات الوفيات والإصابة بالأمراض؛ وفي رأي اللجنة أن الحق في السكن ينبغي ألا يفسر تفسيرا ضيقا أو تقييديا يجعله مساويا علي سبيل المثال للمأوي الموفر للمرء بمجرد وجود سقف فوق رأسه، أو يعتبر المأوي علي وجه الحصر سلعة، بل ينبغي النظر إلي هذا الحق باعتباره حق المرء في أن يعيش في مكان ما في أمن وسلام وكرامة. وقالت اللجنة إن الحق في السكن مرتبط ارتباطا تاما بسائر حقوق الإنسان وبالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها العهد.
وهكذا فإن «الكرامة المتأصلة في شخص الإنسان» التي يقال إن الحقوق المبينة في العهد مستمدة منها تقتضي أن يفسر مصطلح «السكن» تفسيرا يأخذ في الحسبان مجموعة متنوعة من الاعتبارات الأخري، وبدرجة أهم جدا، أن يكفل الحق في السكن لجميع الناس بصرف النظر عن الدخل، أو إمكانية حيازة موارد اقتصادية، وأضافت اللجنة أن الإشارة هنا لا إلي السكن فحسب وإنما بالتحديد إلي السكن الملائم. وكما أعلنت لجنة المستوطنات البشرية وكذلك الاستراتيجية العالمية للمأوي حتي عام 2000: «المأوي الملائم يعني... التمتع بالدرجة الملائمة من الخصوصية، والمساحة الكافية، والأمان الكافي، والإنارة والتهوية الكافيتين، والهيكل الأساسي الملائم، والموقع الملائم بالنسبة إلي أمكنة العمل والمرافق الأساسية وكل ذلك بتكاليف معقولة».
محمد الحلو المحامي بالمركز المصري لحقوق السكن يؤكد أنه طبقا للمواثيق والاتفاقيات التي وقعت عليها مصر تلزمها بتوفير سكن ملائم ومناسب وألا يكون مجرد سكن فقط، مشيرا إلي أن المادة 11 من تعليق رقم 7 من اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة تقول إنه لابد وأن تراعي مساحة كل فرد في السكن البديل الذي تمنحه الدولة لأي متضرر يتم إخلاؤه من سكنه، وشرح الحلو هذه المادة بقوله أنه لا يجوز حسب هذه المادة أن نعطي أسرة مكونة من 5 أفراد نفس مساحة الشقة التي تسكن فيها أسرة مكونة من ثلاثة أفراد مثلا، وأكد الحلو أنه من المفترض أن توفر الدولة لكل أسرة مسكناً صحياً وأمناً وهذا ليس هبة من الدولة وأننا وفقا للاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت عليها في مجال حقوق الإنسان، وأشار الحلو إلي أنه من المفترض أن تشجع الدولة الأفراد علي ترك مساكنهم القديمة والعشوائية ولكن لن يتم ذلك إلا عن طريق توفير مساكن مناسبة لهم وأن يكون هناك اتفاق بين الدولة و المستثمرين يتم بموجبه بناء مساكن آدمية لهؤلاء الفقراء، واستنكر الحلو تعامل الدولة مع سكان العشوائيات الذين يتم نقلهم من مساكنهم وتهجيرهم إلي الصحراء في مساكن غير آدمية ولا صحية ولا تصلح لأن تكون سكناً مناسباً لأسرة مكونة علي الأقل من 4 أفراد.
لكن كيف تعيش- فعلا- أسرة داخل شقة مساحتها 26 متراً؟ سماح عبدالحميد إحدي ساكنات الشقق التي مساحتها 26 متراً بأكتوبر تري أن حياتهم توقفت منذ أن جاءوا إلي هذه المساكن مشيرا إلي أنها أم لأربعة أطفال ولدان وبنتان ومعها زوجها أيضا ويعيشون كلهم في هذه الشقة وأضافت أن أولادها يضطرون إلي النوم أمام البيت لعدم وجود مكان ليناموا فيه داخل الشقة، وأضافت سماح: لم أكن أتوقع أن أسكن في شقة مساحتها 26 متراً لكن جاء الوقت الذي أسكن فيه في هذه المساحة، أما محمد آحمد زوج سماح فيري أن هذه المساحة التي يسكنون فيها عبارة عن مقابر أرادت الحكومة دفنهم بها وهم أحياء مشيرا إلي أنه لم يعد يستطيع أن يمارس حياته الطبيعة مع زوجته خشية من أن يستيقظ أحد أبنائه من النوم ويراه في هذه الوضع، وأضاف: لا يستطيع أي شخص الإقامة في هذه المساحة فإن كان لديك ضيف لا تستطيع دخول الحمام فالحمام في الصالة والمطبخ في الصالة.
الدكتور حسنين كشك - الخبير بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية - يؤكد أن إجبار أسرة مكونة من 5 أفراد علي الإقامة في شقة مساحتها 26 متراً أو حتي 38 متراً هو نوع من القهر الاجتماعي، وأشار كشك إلي أن الإقامة في مثل هذه المساكن ذات المساحات الضيقة تؤثر في شخصية الفرد وفي تعامله مع المجتمع، وأضاف كشك أن البيئة الصالحة تخرج إلي المجتمع شخصاً صالحاً بينما البيئة الفاسدة تخلق بشراً مشوهاً، وعن الأطفال في هذه المساكن قال كشك إنهم أطفال حرموا من كل شيء حرموا حتي من طفولتهم وبالتالي تكون ردود أفعالهم مختلفة تجاه المجتمع.
محمد ناصر أحد سكان هذه الشقق يحكي كيف يعيش في هذه المساحة الصغيرة؟ فيقول: «أعيش مع أبي وأمي وسبعة آخرين من الإخوة والأخوات لدي 3 أولاد و4 بنات، ولك أن تتخيل كيف ننام نحن العشرة في شقة مساحتها لم تتجاوز ال 26 متراً»؟ يضيف ناصر: أنام أنا وإخوتي الأولاد أمام البيت في الشارع لكننا للأسف نتعرض لمضايقات رجال الشرطة وأحيانا يتم إلقاء القبض علينا بتهم التسول والنوم في الشارع إلا أننا عندما أدخلنا الضابط داخل الشقة ووجد بنفسه كيف تنام أخواتي البنات وأبي وأمي تركنا وانصرف وهو يقول ربنا يرحمكم وينقلكم مكان أحسن من ده» وأشار أحمد إلي أنه لم يعد يستطيع الذهاب إلي عمله مؤكدا أنه لم يعد يستطيع النوم في الليل وعندما يذهب إلي العمل ينام هناك وبالتالي يتشاجر معه صاحب العمل مشيرا إلي أنه طرد من أكثر من عمل بسبب هذا الأمر، وأضاف أنه يجلس الآن دون أي عمل إلي أن يفرجها الله وننقل من هذه المساكن.
إبراهيم ربيع أحد السكان يقول بعد أن تسلمت هذه الشقة حاولت أن أتأقلم عليها إلا أنني لم أستطع، حاولت وضع حجرة النوم في الصالة فلم أجد مكانا أدخل منه إلي الشقة وحاولت أن أضعها في الحجرة الوحيدة في الشقة فلم أستطع أيضا فمساحة الحجرة لا تتجاوز أربعة متر في 3 ولا يمكن أن أن تأخذها فاضطرت في النهاية إلي بيع حجرة النوم وأنام أنا وأولادي علي الأرض في الصالة، وأضاف إبراهيم: شعرت بالحرج عندما كانت زوجتي تضع كان ذلك بعد أن تسلمنا هذه الشقة وعندما جاء أهلي وأهل زوجتي للاحتفال معنا بالسبوع اكتشفوا ما نعيش فيه واستغربوا كيف نعيش في هذه المساحة خاصة أن معنا ثلاثة أطفال؟ أكد إبراهيم أنه نام هو وإخوته وإخوات زوجته في الشارع أمام البيت بينما نام النساء داخل الشقة في الصالة. إبراهيم كان فاطرا في نهار رمضان وعندما سألته الدستور عن السبب قال إن الحياة كلها بقت كفر هتيجي يعني علي الفطار في رمضان ما أهو إحنا عايشين في سجن ولا في قبر ولا حد حاسس بينا.
كلام إبرهيم بقدر ما كان صادماً إلا أنه كاشف عن الحالة النفسية التي يمر بها وعن ظروف صعبة يعيشها جعلته يقول كلاما سرعان ما استغفر الله عليه.
بالتأكيد هناك علاقة قوية بين السكن وبين الصحة النفسية للفرد فكلما كانت هناك ضغوط علي الفرد في مسألة السكن المقيم به سواء من حيث المساحة أو نوعية الأشخاص المقيمين معه كانت حالته النفسية سيئة وكلما كان السكن مريحا أدي ذلك إلي هدوئه نفسيا، فعن العلاقة بين السكن والحالة النفسية للساكن يؤكد الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر أن علماء النفس والاجتماع اتفقوا علي أن الحد الأدني من المساحة الحضرية للإقامة بالنسبة للفرد الواحد 8 متر مربع داخل المسكن بالإضافة إلي 8 متر أخري خدمات أي أن الفرد الواحد يحتاج إلي 16 متر مربع كحد أدني لكل فرد، وعن التحليل النفسي للمقيمين في مساكن مساحتها 26 متراً قال المهدي إن هؤلاء السكان يعانون مشاكل نفسية وتربوية كبيرة بالإضافة إلي خلل في العلاقات وكشف ستر العورات وضياع للحدود وانهيار للمساحات الشخصية، وأكد المهدي أن الإقامة في هذه المساحة تجعل هناك نوعاً من الاختلاط الزائد الذي ينام فيه الأب والأم أمام الأطفال والبنات تنام بجوار الأولاد وبالتالي تكون هناك مشكلات نفسية كبيرة لهؤلاء الأطفال وانشكاف للعورات بين الأسرة وهذا الجو لا يمكن أن ينتج أشخاصاً أسوياء بالإضافة إلي أن الزحام والتكدس وما ينتج عنه من سرعة الإثارة والعنف نتيجة للبيئة المنزلية غير المريحة تضيع فيها الحدود، ومن الناحية الأخلاقية يقول المهدي إن ضياع الحدود يجعل هذا الشخص معتقد أن كل شيء مباح ومتاح ولا يوجد لديه شيء اسمه الخصوصية وهو ما يجعله ينتهك الحريات دون أي رادع، وأشار المهدي إلي أن الضغط الشديد علي المرء في هذا الجو يجعله سريع الثورة والغضب لأتفه الأسباب وربما يقتل لأتفه الأسباب وتصبح هذه حالة مصاحبة له طول عمره حتي وأن انتقل إلي مكان أخر ذات مساحة كبيرة، فطول الوقت سيكون لديه صورة الزحام والتكدس وانتهاك الحرمات التي عاش فيها منذ أن كان صغيرا، تزيد هذه الحالة من إحساسه بالغضب تجاه المجتمع وتزيد الحقد الطبقي لديه.
وهو ما حدث بالفعل زاد الحقد الطبقي عند عشرات من هذه الأسر ونظروا حولهم فوجدوا مئات الشقق المغلقة وتبدأ مساحتها من 63 مترا فيما أكثر، راقبوا هذه الشقق أكثر من يوم، وعندما تأكدوا من أنها خالية ولا يسكن بها أحد، قرروا اقتحامها والاستيلاء عليها ووضع أثاثهم فيها والإقامة بها بدلا من انتظار رد محافظة القاهرة التي ألقت بهم في شقق مساحتها 26 متراً بصحراء 6 أكتوبر، الشركة مالكة هذه الشقق حاولت إخلاء هذه الشقق التي تم الاستيلاء عليها إلا أن شاغلوها رفضوا كل محاولات الشركة بما فيها الحل الأمني واعتصموا بهذه الشقق وأكدوا أنهم في الشقق الصغيرة مدفنون وهم أحياء فالأسهل أن يدفنوا في شقق مساحتها 63 متراً وهم أموات بالفعل، مازلت العديد من الأسر تقيم حتي كتابة هذه السطور في مساكن وكانتونات مساحتها لا تتجاوز ال 26 متراً الغريب أن الزائر لهذه المنطقة سيجد أن كل سكانها لديهم جملة واحدة يرددونها لكل غريب عن المنطقة يقولون «الست سوزان مبارك قالت أن مفيش أسرة هتسكن في شقة أقل من حجرتين وصالة وقالت إن مساكن الدويقة لأهل الدويقة» تجدهم جميعا يرددون أيضا «أدينا قعدنا يا ست في شقة 26 متراً وطلعنا من الدويقة لصحراء 6 أكتوبر».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.