«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحياة في 26 متراً
نشر في الدستور الأصلي يوم 26 - 08 - 2010

الحياة في 26 متراًكم تعتقد مساحة «الحمام» في شقق وفيلات وقصور السادة المسئولين والوزراء وأبنائهم وأقاربهم.. وهل تظن أنها تقل عن 26 مترا. هل تعتقد إذن أن هناك أسرة مكونة علي الأقل من خمسة أفراد يمكن أن تعيش طوال حياتها في مثل هذا الحمام.. أو مساحته؟ الإجابة نعم يحدث هذا في مصر لكن من قال إنهم «يعيشون» فعلا؟!
وهل يمكن أن تسمي هذه شقة أصلا وهي مساحتها لا تتجاوز 26 مترا، لا يوجد خطأ في المساحة فعلا إنها شقة مساحتها 26 متراً سلمتها محافظة القاهرة لعدد من سكان الدويقة بعد إزالة مساكنهم ضمن مخطط محافظة القاهرة بنقل سكان المناطق الخطيرة بالدويقة إلي مناطق أخري قالت عنها إنها مناطق أكثر أمناً، وبالفعل تم إخلاء السكان، وهدمت جرافات المحافظة مساكنهم، إلا أن المفاجأة كانت أنه لا توجد مساكن لهم، بل وقال لهم رئيس الحي والمسئولون بالمحافظة إنهم لا يستحقون مساكن بديلة وأنهم لن يحصلوا علي مساكن بديلة فاضطروا إلي الإقامة في الشارع ما يزيد عن أربعة أشهر وبالتالي عندمنا وجدوا خطابات من محافظة القاهرة تطالبهم بتسليم وحدات سكنية مساحة الواحدة منها 38 متراً مربعاً، فرح النائمون في الشارع وارتضوا أن ينحشروا في شقة مساحتها 38 متراً خيرا من الإقامة في الشارع إلا أن المفاجأة كانت عندما ذهبوا لاستلام الوحدات السكنية التي اشترتها لهم المحافظة بصحراء مدينة 6 أكتوبر لعدم وجود مساكن جديدة لهم بالمحافظة، كانت المفاجأة أنه عندما دخل كل واحد منهم الوحدة السكنية الخاصة به اكتشف أنها عبارة حجرة صغيرة وصالة جزء منها حمام وجزء آخر عبارة عن مطبخ، وقبل أن يقرروا أن يتركوها ويذهبوا إلي الحي، تذكروا أنهم كانوا ينامون في الشارع وبالتالي النوم في أي مساحة أفضل كثيرا من النوم في العراء بدون أي غطاء وعرضه للبلطجية، أحمد جمال يصف شعوره عندما استلم وحدته السكنية بمنطقة هرم سيتي قائلا: «كنت هتجنن الورق اللي معانا والخطابات بتقول إن الشقة مساحتها 38 متراً لكن لقيت الشقة مساحتها 26 متراً ويضيف بعت نص أثاثي عشان المساحة مش مقضية أي حاجة»، وأضاف أحمد «الأوضة حاطط فيها هدومي وهدوم العيال والدولاب مش عارف أنصبه ولا السرير كمان والصالة فيها الكنبة اللي بنقعد عليها طول النهار وبنام كلنا في الصالة بليل».
هكذا تعيش أسرة مكونة من 5 أفراد في صالة مساحتها لا تتجاوز 15 متراً مربعاً رغم الاتفاقيات والمواثيق التي وقعت عليها مصر وتطالب الدول الموقعة بأن تلتزم بما جاء بها، ومن هذه الاتفاقيات اتفاقية العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والتي أفردت مساحة كبيرة لمسألة السكن الملائم وتوفير مساكن مناسبة وصالحة .
لا تعاني أسرة واحدة من ذلك الخلل بل هناك 250 أسرة تعيش حاليا في مساكن تقل مساحتها عن مساحة حمام أي مسئول في هذه البلد، دون أن يتحرك لأي من هؤلاء الكبار جفن ولم يفكر أي منهم كيف تعيش أسر كاملة في هذه المساحة التي لا تذكر ضاربين عرض الحائط بكل الاتفاقيات والمعاهدات التي وقعوا عليها من قبل، اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التابعة للأمم المتحدة أصدرت في دورتها السادسة المنعقدة في عام 1991 تعليقها العام رقم 4 عن الحق في السكن الملائم وضعت فيه بعضاً من الشروط لاعتبار أن السكن ملائم من ضمن هذه الشروط أن يكون السكن صالحاً للإقامة فيه وقالت اللجنة في تعريفها معني «الصلاحية للسكن»: إن المسكن الملائم يجب أن يكون صالحا للسكن من حيث توفير المساحة الكافية لساكنيه وحمايتهم من البرد والرطوبة والحر والمطر والريح أو غير ذلك من العوامل التي تهدد الصحة، ومن المخاطر البنيوية وناقلات الأمراض. كما يجب ضمان السلامة الجسدية لشاغلي المساكن. وتحث اللجنة الدول الأطراف علي أن تطبق بصورة شاملة "المبادئ الصحية للسكن" التي أعدتها منظمة الصحة العالمية والتي تعتبر أن السكن يشكل العامل البيئي المرتبط علي نحو أكثر تواترا بالحالات المسببة للأمراض في تحليلات الوبائيات؛ أي أن السكن وظروف المعيشة غير الملائمة والمعيبة تكون بصورة دائمة مرتبطة بارتفاع معدلات الوفيات والإصابة بالأمراض؛ وفي رأي اللجنة أن الحق في السكن ينبغي ألا يفسر تفسيرا ضيقا أو تقييديا يجعله مساويا علي سبيل المثال للمأوي الموفر للمرء بمجرد وجود سقف فوق رأسه، أو يعتبر المأوي علي وجه الحصر سلعة، بل ينبغي النظر إلي هذا الحق باعتباره حق المرء في أن يعيش في مكان ما في أمن وسلام وكرامة. وقالت اللجنة إن الحق في السكن مرتبط ارتباطا تاما بسائر حقوق الإنسان وبالمبادئ الأساسية التي يقوم عليها العهد.
وهكذا فإن «الكرامة المتأصلة في شخص الإنسان» التي يقال إن الحقوق المبينة في العهد مستمدة منها تقتضي أن يفسر مصطلح «السكن» تفسيرا يأخذ في الحسبان مجموعة متنوعة من الاعتبارات الأخري، وبدرجة أهم جدا، أن يكفل الحق في السكن لجميع الناس بصرف النظر عن الدخل، أو إمكانية حيازة موارد اقتصادية، وأضافت اللجنة أن الإشارة هنا لا إلي السكن فحسب وإنما بالتحديد إلي السكن الملائم. وكما أعلنت لجنة المستوطنات البشرية وكذلك الاستراتيجية العالمية للمأوي حتي عام 2000: «المأوي الملائم يعني... التمتع بالدرجة الملائمة من الخصوصية، والمساحة الكافية، والأمان الكافي، والإنارة والتهوية الكافيتين، والهيكل الأساسي الملائم، والموقع الملائم بالنسبة إلي أمكنة العمل والمرافق الأساسية وكل ذلك بتكاليف معقولة».
محمد الحلو المحامي بالمركز المصري لحقوق السكن يؤكد أنه طبقا للمواثيق والاتفاقيات التي وقعت عليها مصر تلزمها بتوفير سكن ملائم ومناسب وألا يكون مجرد سكن فقط، مشيرا إلي أن المادة 11 من تعليق رقم 7 من اللجنة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية بالأمم المتحدة تقول إنه لابد وأن تراعي مساحة كل فرد في السكن البديل الذي تمنحه الدولة لأي متضرر يتم إخلاؤه من سكنه، وشرح الحلو هذه المادة بقوله أنه لا يجوز حسب هذه المادة أن نعطي أسرة مكونة من 5 أفراد نفس مساحة الشقة التي تسكن فيها أسرة مكونة من ثلاثة أفراد مثلا، وأكد الحلو أنه من المفترض أن توفر الدولة لكل أسرة مسكناً صحياً وأمناً وهذا ليس هبة من الدولة وأننا وفقا للاتفاقيات والمعاهدات التي وقعت عليها في مجال حقوق الإنسان، وأشار الحلو إلي أنه من المفترض أن تشجع الدولة الأفراد علي ترك مساكنهم القديمة والعشوائية ولكن لن يتم ذلك إلا عن طريق توفير مساكن مناسبة لهم وأن يكون هناك اتفاق بين الدولة و المستثمرين يتم بموجبه بناء مساكن آدمية لهؤلاء الفقراء، واستنكر الحلو تعامل الدولة مع سكان العشوائيات الذين يتم نقلهم من مساكنهم وتهجيرهم إلي الصحراء في مساكن غير آدمية ولا صحية ولا تصلح لأن تكون سكناً مناسباً لأسرة مكونة علي الأقل من 4 أفراد.
لكن كيف تعيش- فعلا- أسرة داخل شقة مساحتها 26 متراً؟ سماح عبدالحميد إحدي ساكنات الشقق التي مساحتها 26 متراً بأكتوبر تري أن حياتهم توقفت منذ أن جاءوا إلي هذه المساكن مشيرا إلي أنها أم لأربعة أطفال ولدان وبنتان ومعها زوجها أيضا ويعيشون كلهم في هذه الشقة وأضافت أن أولادها يضطرون إلي النوم أمام البيت لعدم وجود مكان ليناموا فيه داخل الشقة، وأضافت سماح: لم أكن أتوقع أن أسكن في شقة مساحتها 26 متراً لكن جاء الوقت الذي أسكن فيه في هذه المساحة، أما محمد آحمد زوج سماح فيري أن هذه المساحة التي يسكنون فيها عبارة عن مقابر أرادت الحكومة دفنهم بها وهم أحياء مشيرا إلي أنه لم يعد يستطيع أن يمارس حياته الطبيعة مع زوجته خشية من أن يستيقظ أحد أبنائه من النوم ويراه في هذه الوضع، وأضاف: لا يستطيع أي شخص الإقامة في هذه المساحة فإن كان لديك ضيف لا تستطيع دخول الحمام فالحمام في الصالة والمطبخ في الصالة.
الدكتور حسنين كشك - الخبير بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية - يؤكد أن إجبار أسرة مكونة من 5 أفراد علي الإقامة في شقة مساحتها 26 متراً أو حتي 38 متراً هو نوع من القهر الاجتماعي، وأشار كشك إلي أن الإقامة في مثل هذه المساكن ذات المساحات الضيقة تؤثر في شخصية الفرد وفي تعامله مع المجتمع، وأضاف كشك أن البيئة الصالحة تخرج إلي المجتمع شخصاً صالحاً بينما البيئة الفاسدة تخلق بشراً مشوهاً، وعن الأطفال في هذه المساكن قال كشك إنهم أطفال حرموا من كل شيء حرموا حتي من طفولتهم وبالتالي تكون ردود أفعالهم مختلفة تجاه المجتمع.
محمد ناصر أحد سكان هذه الشقق يحكي كيف يعيش في هذه المساحة الصغيرة؟ فيقول: «أعيش مع أبي وأمي وسبعة آخرين من الإخوة والأخوات لدي 3 أولاد و4 بنات، ولك أن تتخيل كيف ننام نحن العشرة في شقة مساحتها لم تتجاوز ال 26 متراً»؟ يضيف ناصر: أنام أنا وإخوتي الأولاد أمام البيت في الشارع لكننا للأسف نتعرض لمضايقات رجال الشرطة وأحيانا يتم إلقاء القبض علينا بتهم التسول والنوم في الشارع إلا أننا عندما أدخلنا الضابط داخل الشقة ووجد بنفسه كيف تنام أخواتي البنات وأبي وأمي تركنا وانصرف وهو يقول ربنا يرحمكم وينقلكم مكان أحسن من ده» وأشار أحمد إلي أنه لم يعد يستطيع الذهاب إلي عمله مؤكدا أنه لم يعد يستطيع النوم في الليل وعندما يذهب إلي العمل ينام هناك وبالتالي يتشاجر معه صاحب العمل مشيرا إلي أنه طرد من أكثر من عمل بسبب هذا الأمر، وأضاف أنه يجلس الآن دون أي عمل إلي أن يفرجها الله وننقل من هذه المساكن.
إبراهيم ربيع أحد السكان يقول بعد أن تسلمت هذه الشقة حاولت أن أتأقلم عليها إلا أنني لم أستطع، حاولت وضع حجرة النوم في الصالة فلم أجد مكانا أدخل منه إلي الشقة وحاولت أن أضعها في الحجرة الوحيدة في الشقة فلم أستطع أيضا فمساحة الحجرة لا تتجاوز أربعة متر في 3 ولا يمكن أن أن تأخذها فاضطرت في النهاية إلي بيع حجرة النوم وأنام أنا وأولادي علي الأرض في الصالة، وأضاف إبراهيم: شعرت بالحرج عندما كانت زوجتي تضع كان ذلك بعد أن تسلمنا هذه الشقة وعندما جاء أهلي وأهل زوجتي للاحتفال معنا بالسبوع اكتشفوا ما نعيش فيه واستغربوا كيف نعيش في هذه المساحة خاصة أن معنا ثلاثة أطفال؟ أكد إبراهيم أنه نام هو وإخوته وإخوات زوجته في الشارع أمام البيت بينما نام النساء داخل الشقة في الصالة. إبراهيم كان فاطرا في نهار رمضان وعندما سألته الدستور عن السبب قال إن الحياة كلها بقت كفر هتيجي يعني علي الفطار في رمضان ما أهو إحنا عايشين في سجن ولا في قبر ولا حد حاسس بينا.
كلام إبرهيم بقدر ما كان صادماً إلا أنه كاشف عن الحالة النفسية التي يمر بها وعن ظروف صعبة يعيشها جعلته يقول كلاما سرعان ما استغفر الله عليه.
بالتأكيد هناك علاقة قوية بين السكن وبين الصحة النفسية للفرد فكلما كانت هناك ضغوط علي الفرد في مسألة السكن المقيم به سواء من حيث المساحة أو نوعية الأشخاص المقيمين معه كانت حالته النفسية سيئة وكلما كان السكن مريحا أدي ذلك إلي هدوئه نفسيا، فعن العلاقة بين السكن والحالة النفسية للساكن يؤكد الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر أن علماء النفس والاجتماع اتفقوا علي أن الحد الأدني من المساحة الحضرية للإقامة بالنسبة للفرد الواحد 8 متر مربع داخل المسكن بالإضافة إلي 8 متر أخري خدمات أي أن الفرد الواحد يحتاج إلي 16 متر مربع كحد أدني لكل فرد، وعن التحليل النفسي للمقيمين في مساكن مساحتها 26 متراً قال المهدي إن هؤلاء السكان يعانون مشاكل نفسية وتربوية كبيرة بالإضافة إلي خلل في العلاقات وكشف ستر العورات وضياع للحدود وانهيار للمساحات الشخصية، وأكد المهدي أن الإقامة في هذه المساحة تجعل هناك نوعاً من الاختلاط الزائد الذي ينام فيه الأب والأم أمام الأطفال والبنات تنام بجوار الأولاد وبالتالي تكون هناك مشكلات نفسية كبيرة لهؤلاء الأطفال وانشكاف للعورات بين الأسرة وهذا الجو لا يمكن أن ينتج أشخاصاً أسوياء بالإضافة إلي أن الزحام والتكدس وما ينتج عنه من سرعة الإثارة والعنف نتيجة للبيئة المنزلية غير المريحة تضيع فيها الحدود، ومن الناحية الأخلاقية يقول المهدي إن ضياع الحدود يجعل هذا الشخص معتقد أن كل شيء مباح ومتاح ولا يوجد لديه شيء اسمه الخصوصية وهو ما يجعله ينتهك الحريات دون أي رادع، وأشار المهدي إلي أن الضغط الشديد علي المرء في هذا الجو يجعله سريع الثورة والغضب لأتفه الأسباب وربما يقتل لأتفه الأسباب وتصبح هذه حالة مصاحبة له طول عمره حتي وأن انتقل إلي مكان أخر ذات مساحة كبيرة، فطول الوقت سيكون لديه صورة الزحام والتكدس وانتهاك الحرمات التي عاش فيها منذ أن كان صغيرا، تزيد هذه الحالة من إحساسه بالغضب تجاه المجتمع وتزيد الحقد الطبقي لديه.
وهو ما حدث بالفعل زاد الحقد الطبقي عند عشرات من هذه الأسر ونظروا حولهم فوجدوا مئات الشقق المغلقة وتبدأ مساحتها من 63 مترا فيما أكثر، راقبوا هذه الشقق أكثر من يوم، وعندما تأكدوا من أنها خالية ولا يسكن بها أحد، قرروا اقتحامها والاستيلاء عليها ووضع أثاثهم فيها والإقامة بها بدلا من انتظار رد محافظة القاهرة التي ألقت بهم في شقق مساحتها 26 متراً بصحراء 6 أكتوبر، الشركة مالكة هذه الشقق حاولت إخلاء هذه الشقق التي تم الاستيلاء عليها إلا أن شاغلوها رفضوا كل محاولات الشركة بما فيها الحل الأمني واعتصموا بهذه الشقق وأكدوا أنهم في الشقق الصغيرة مدفنون وهم أحياء فالأسهل أن يدفنوا في شقق مساحتها 63 متراً وهم أموات بالفعل، مازلت العديد من الأسر تقيم حتي كتابة هذه السطور في مساكن وكانتونات مساحتها لا تتجاوز ال 26 متراً الغريب أن الزائر لهذه المنطقة سيجد أن كل سكانها لديهم جملة واحدة يرددونها لكل غريب عن المنطقة يقولون «الست سوزان مبارك قالت أن مفيش أسرة هتسكن في شقة أقل من حجرتين وصالة وقالت إن مساكن الدويقة لأهل الدويقة» تجدهم جميعا يرددون أيضا «أدينا قعدنا يا ست في شقة 26 متراً وطلعنا من الدويقة لصحراء 6 أكتوبر».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.