تحدثت وتحدث غيري من الأطباء والكتاب كثيرًا عن حق الأطباء في أجور عادلة، حتي يصبحوا قادرين علي إعطاء مرضاهم ومهنتهم النبيلة الوقت والجهد اللازمين، وحتي لا يضطر أغلبهم للسفر للخارج بحثًا عن لقمة العيش التي تأتي أحيانًا مغموسة بالذل. ..أما اليوم فلن أتحدث عن هذا كله، بل سأتحدث عن مطلب آخر هام جدا للأطباء، وهو التدريب والتعليم الطبي المستمر، حتي يصبح الطبيب طبيبًا فعلاً، وحتي لا يضطر شباب الأطباء لاكتساب الخبرة عن طريق التجربة والخطأ في أجساد المرضي الغلابة. فالطبيب الشاب يتخرج بعد 6 سنوات من الدراسة النظرية، وسنة واحدة للتدريب العملي، وهي سنة الإمتياز التي يضيع أغلبها -للأسف- في إرسال طبيب الامتياز لتوصيل عينات الدم وأفلام الأشعة بين أقسام المستشفيات الجامعية مترامية الأطراف، أو في تحمل جزء كبير من عبء العمل في استقبال المستشفيات، دون وجود إشراف وتعليم كاف من الأطباءالأكثر خبرة، وبالتالي دون الحصول علي القدر الكافي بل الضروري من التدريب العملي. هكذا يجد طبيبنا الشاب نفسه بعد نهاية سنة الإمتياز، طبيب تكليف « محترم»، ومسئول عن أرواح آلاف المواطنين، في المنطقة المحيطة بوحدته الريفية أو النائية، وحتي لا يصبح الطريق الوحيد لاكتساب الخبرة هو طريق التجربة والخطأ نطالب بالآتي 1-إلزام وزارة الصحة بتوفير دورة مكثفة لمدة شهر لكل أطباء التكليف قبل توزيعهم علي الوحدات الصحية، تشتمل علي أهم الحالات التي يعالجها الطبيب الممارس العام. 2-ضرورة ربط أطباء الوحدات الصحية بالمستشفيات العامة الأقرب لهم، عن طريق انتداب دوري للطبيب 6 أيام كل شهر، علي أن ينفذ في هذه المدة برنامج تدريبي محدد «نظري وعملي»، يشرف عليه إخصائيون محددون، وذلك حتي لا تضيع فترة الانتداب في تحميل الطبيب أعباء العمل وحيدا في استقبال المستشفي.. أي تضيع دون اكتساب أي خبرة حقيقية. 3-ربط الوحدات الصحية بأقرب مستشفي عام عن طريق خط تليفوني، علي أن يكون من مهام الإخصائيين بالمستشفي الرد علي استفسارات أطباء الوحدات الصحية، إن هذه الوسيلة البسيطة قليلة التكلفة من الممكن أن تكون ذات نفع كبير. بعد إنهاء فترة التكليف يترك طبيبنا الشاب الوحدة الصحية وينتقل للعمل بأحد المستشفيات، ليتدرب علي تخصص معين، يختاره ليتخصص فيه، إلا أنه يواجه أحيانا بمآساة.. وهي عمله بمستشفي لا يوجد به تخصصه أصلاً، مثلا يوزع الطبيب من وزارة الصحة، علي أنه طبيب عناية مركزة، في مستشفي لا يوجد به قسم عناية مركزة، أو يوجد قسم شكلي شديد الفقر في الإمكانيات مع عدم وجود أي طبيب أقدم منه أو أكثر خبرة لتدريبه. .و بالتالي نعود مرة أخري للتعلم عن طريق التجربة والخطأ في أجساد وأرواح المرضي. .و نحن هنا نطالب بضرورة انتداب كل طبيب لا يوجد قسم قوي لتخصصه بالمستشفي الموزع فيه، لمدة 6 أشهر إلي أقرب مستشفي تعليمي أو جامعي، لإكتساب الخبرة الضرورية، قبل أن يعود لمستشفاه الذي يجب أن يكون قد جهز في هذه الفترة المعدات الضرورية لعمل القسم. ونطالب أيضا بحق كل الأطباء المقيمين بالانتداب 6 أيام كل 6 أشهر لأقرب مستشفي جامعي أو تعليمي، لمتابعة مستوي العلم والعمل المتميزين بهذه المستشفيات، لتقليل الفجوة في مستوي الخدمة الصحية المقدمة بين المستشفيات العامة والمركزية من جهة والمستشفيات الجامعية والتعليمية من جهة أخري. ينهي طبيبنا دراساته العليا، ويصبح إخصائيًا، علي مستوي محترم من العلم والخبرة في مجال تخصصه، ولكن المشكلة أن العلم دائم التجدد، والطب يقفز قفزات واسعة كل يوم، لذلك نري ضرورة حضور كل إخصائي لدورتين كل سنة - طبعاعلي حساب جهة العمل- علي أن تكون إحداهما نظرية في مجال تخصصه، والأخري عملية عن طريق الانتداب 6 أيام لأقرب مستشفي تعليمي أو جامعي، حتي يستطع متابعة الجديد في مجال تخصصه. تبقي كلمة تخص المركز القومي للتدريب، وهو مركز شديد الفخامة أنشأته وزارة الصحة منذ عدة سنوات، للمساعدة في تدريب الأطباء، وكانت دوراته مجانية في بداية عمله، أما الآن فتوجد به بعض الدورات المجانية التي لا يعرف أغلب الأطباء كيف يصلوا لها أو يلتحقوا بها، أما باقي الدورات المعلن عنها علي موقعه الإلكتروني فلها أسعار باهظة، لذلك فنحن نطالب بالإعلان عن دورات المعهد المجانية بمستشفيات القاهرة الكبري، وتسهيل التحاق أطباء القاهرة بهذه الدورات مجانا أو علي حساب جهة العمل، أما أطباء المحافظات الأخري فيمكن أن تنظم دوراتهم بالتعاون مع كليات الطب الإقليمية والمستشفيات التعليمية، التي أصبحت منتشرة في كل أنحاء مصر، وبذلك نقلل مشاكل الانتقال والإقامة ونعظم الفائدة، فليس المهم للتدريب إنشاء مباني فاخرة تتكلف الملايين، ولكن المهم هو تفعيل كل الإمكانيات المتاحة فعلا لعمل برامج تدريبية جادة ومستمرة للأطباء، حتي يصبح الطبيب المصري متابعا لآخر قفزات الطب. .و حتي يصبح الطبيب المصري.. طبيبًا فعلاً.