رأي سيد قطب أن كتابته عن قريته بمثابة احتفاظ بصفحات من الحياة القومية والتاريخ الحديث في سجل الفنون «تبين» قرية قطب تعاني من غلب الفقر وغلب الحرمان والجوار من الحكام وسخرة الجسور ولا تختلف كثيرًا عن قرية صاحب «الأيام» لم أستطع أن أضع يدي علي هذا المرجع المهم «طفل من القرية»، الذي يُستشهد به عند الكتابة عن حياة وطفولة الشهيد سيد قطب، حتي أهداني أستاذي وصديقي الناقد العلامة وديع فلسطين نسخة مُصورة من الكتاب، كان سيد قطب قد أهداه إليه في28/3/1946 موقعا: «هدية إلي الأديب الفاضل وديع فلسطين مع مودتي، المخلص سيد قطب». يفتتح سيد قطب كتابه «طفل من القرية» متوجها بكلامه: «إلي صاحب كتاب الأيام الدكتور طه حسين بك، إنها يا سيدي أيام كأيامك، عاشها طفل في القرية، في بعضها من أيامك تشابه، وفي سائرها عنها اختلاف؛ اختلاف بمقدار ما يكون بين جيل وجيل، وقرية وقرية، وحياة وحياة، بل بمقدار مايكون بين طبيعة وطبيعة، واتجاه واتجاه، ولكنها بعد ذلك كله أيام من الأيام». يحدد سيد قطب تاريخ انتهائه من مؤلفه 1/7/1945، وقد بلغ مرحلة نضجه 39 سنة، مشيرا إلي أنه يرجع بذكرياته إلي«ربع قرن من الزمان» فهي «صور من حياة القرية التي عاصرت طفولتي ...»، وهذا يعني عام 1920 الذي ترك فيه قريته لاستكمال دراسته بالقاهرة وهو في الرابعة عشرة من عمره، وقد رأي أن تسجيل تلك الصور من قرية طفولته بمثابة احتفاظ بصفحات من الحياة القومية والتاريخ الحديث في سجل الفنون، والكثير منها لايزال يعيش، ولكن أهل المدينة المترفين لا يكادون يتصورونه، لا في عالم الواقع ولا في عالم الخيال، وفي تسجيله هنا مايطلع الجيل الجديد علي صور من الريف القومي بخيرها وشرها، لعل لهم رأيا فيما ينبغي أن يبقي منها وما ينبغي أن يزول!»، ويقدم 12 صورة منها: المجذوب، ضابط الجمباز، بعثة طبية، سيد الحكيم، حركة ثقافية، قانون اللصوص، جمع الأسلحة، أحزان الريف. وإذا كنا نعرف أن سيد قطب ولد في 9 أكتوبر 1906 فهذا يعني أنه حين يعود إلي بداية وعيه الطفولي في سن الرابعة يكون قد بدأ تسجيل صور من حياة قريته سنة 1910 ويكون كتابه قد غطي عشر سنوات من تللك الذكريات التي ينهيها بأسطر من فصل «أحزان الريف» كاتبا: «وترتد القرية إلي ظلامها الدامس، وإلي حرمانها الموروث، وإلي أحزانها التقليدية، فتجتر هذه الأحزان، التي تسميها أغلاب الزمان: غلب الفقر، وغلب الحرمان، ثم غلب الجور من الحكام، فالريفي مرهق أبدا بالحكام...... ثم سُخرة الجسور، وسُخرة تنقية الدودة في مزارع الأثرياء، وتفاتيشهم خارج القرية، ومكافحة الجراد، وما لا يحصي من هذه المأموريات التي يحس القروي فيها أنه سائمة أو حمار شغل علي الدوام، ثم غلب الكد المتواصل في الأرض والزرع لتوفير قوته من الذرة وياليته يجدها علي مدار العام، ثم غُلب التقاليد، وبخاصة علي المرأة التي لا ترتفع في نظر الرجل عن السلعة.........». بعد «طفل من القرية» قدم سيد قطب كتابه «العدالة الاجتماعية في الإسلام» سنة 1947، ولست أدري هل قرأ جمال عبد الناصر هذه الكتب كما قرأ لتوفيق الحكيم «عودة الروح»؟ وكيف سُوّل له ظلم نفسه بقتل سيد قطب 20 أغسطس، وفي قول آخر 29 أغسطس، 1966؟ مسكين عبد الناصر!