علي طريقة عبد الحليم حافظ وشاعرنا الحبيب عبد الرحمن الأبنودي الله يشفيه، «علي طول الحياة.. نقابل ناس.. ونعرف ناس.. ونرتاح ويّا ناس عن ناس». كان هذا هو انطباعي وشعوري عن تلك السيدة المصرية الجميلة «مريم»، وهو بالمناسبة أغلي وأعز الأسماء إلي قلبي وفي حياتي، فهو اسم ابنتي الوحيدة. اللقاءات العابرة تحدث في حياتنا في كل يوم وساعة ولحظة من أعمارنا، ولأنها عابرة، فهي أبداً لا تكون عميقة، مجرد وجوه نلتقيها ونتبادل معها التحية وكلمات المجاملة العابرة هنا وهناك في المناسبات المختلفة، وتسقط هذه اللقاءات من ذاكرتنا وتذوب في زحام الحياة وكأنها لم تكن إلا قليلاً.. أما عندما تكون المناسبة هي الوطن ولا شيء غيره، فالأمر يتغير بشكل عجيب، لقاء في الشارع من أجل قضية أو في وقفة، ورغم أن اللقاء في هذه المناسبات هوأيضا لقاء عابر بكل المقاييس فإن الأثر الذي يتركه في قلوبنا عميق جدًا تتكون به علاقة إنسانية أقل ما توصف به إنها جميلة دافئة. عزيزتي مريم، سيدة مصرية وأم، جاءت وفي يدها ابنتاها لتقف أمام المحكمة من أجل محاكمة قتلة خالد سعيد، هي أم مصرية عادية، وما أجمل الأم المصرية العادية جاءت.. ووقفت.. واحتارت قليلاً عندما وجدت نفسها تتعرض لمضايقات ضابط أمن الد ولة التي انصبت عليها وعلي ابنتها الصغيرة أيضا. ودون شعور تدخلت للدفاع عنها وأخذتها بجانبي، تبادلنا كلمات مجاملة قليلة، ثم تشجع قلبها فبدأت تخاطب ضابط أمن الدولة بقوة وبصوت مرتفع بكل ما يموج به قلبها.. قوة أخافت ابنتها التي شعرت أن أمها تواجه خطراً ما فبدأت تبكي، وللمرة الثانية ودون شعور بدأت أداعب ابنتها وألاطفها قائلة: «ما تخافيش .. دي ماما بتزعق تمثيل.. كده وكده» فانقلب بكاؤها إلي ضحك بريء جميل.بعد انتهاء الوقفة تبادلت مع مريم كلمات قليلة علي الفيس بوك، أخجلتني عندما قالت لي إنه قد أعجبها ما رأته من أني إنسانة بسيطة، قالت لي إنها كانت علي وشك مغادرة المكان ولم تعرف ماذا تفعل واحتارت، لولا وقفتي بجانبها، قلت لها إن وجودها هو ما ثبتني أنا، وهو ما يصلب طولي ويشجعني ويقوي إيماني وأملي بأن مصر ستتغير، تبادلنا محبة صادقة للغاية ومن القلب، محبة عميقة بيني أنا.. ومريم.. محبة جمعنا عليها ذلك الاسم الغالي، اسم مصر، الأمل في الوطن ومستقبله. شاب صغير آخر رأيته يحتك برجال الأمن، وشعرت بالرعب وأنا أري الضابط يضع يده علي مسدسه الميري، ابتعدت به، وفوجئت بالشاب البسيط يقول لي إن هذه هي الوقفة الاحتجاجية الأولي في حياته، وإنه لم يسبق له الاحتجاج علي شيء ولا صلة له بالسياسة كلها، لكنه قرر الحضور من أجل خالد سعيد، ومن أجل بلده مصر، إن مصر الطوارئ والتعذيب تتألم، وتتحرك، وتتخذ موقفاً، أراهم يأتون ويتحركون لأعرف أن عقارب الساعة لا تعود علي الوراء، وأن أي ظلم مهما بلغت قوته لا يستطيع الوقوف أمام إرادة الشعوب التي تحررت من الخوف لتقول كلمتها في وجوههم، أري قلبي مفعماً بالأمل في بكرة، الأمل الذي يحييه هؤلاء، أشعر بفرحة في جوانحي بمصر التي ستكون، مصر مريم وأحمد ومينا وسارة وعلي، ضع من الأسماء ما شئت، هم الأمل والمستقبل، هم مصر.