فكرة أن تتحدث عن (أم لاللو) الأسطورية التي أزعجونا بها ونحن صغار - وما زلنا كذلك بالمناسبة - فضرب بها المثل في الطناش، وقيل عنها في أمثال الحارة (ده عند أم لاللو) فكرة مغرية، خاصة أنها قد تستدعي معها نسوان المرحلة علي غرار الرفيقة (أم ترتر) والمغفور لها حية وميتة بإذن الله (أم بودرة)، وهن الأمهات اللاتي أثق في أن أبناءهن يحتارون كثيراً حين يفكرون في هدايا عيد الأم الخاصة بهن، وهو الخيال المريض الذي جعلني ذات مرة أتساءل عن أم 44 وأم قويق وهل يمكن أن يغني أبناؤهن لهن (ست الحبايب يا حبيبة)؟ لكن أم أنس أكثر إغراء وعمقاً وأهمية، والدليل أنك لو كتبت اسمها علي google فستعرف أهميتها العظيمة في تفسير فكرنا الإسلامي المعاصر، حيث يكفيك أن تقرأ عنها لتعرف إلي أي مدي من الهبل وصل العقل المسلم في العالم المعاصر. الحكاية بدأت بإيميل وصلني من إحدي الزميلات ينقل فتوي العلامة الجليلة أم أنس بتحريم الجلوس علي الكراسي والأرائك وما شابه نقلاً عن موقعها الإلكتروني. وتقول أم أنس في فتواها إن الجلوس علي الكراسي تشبه بالغرب الكافر، فلم يثبت عن السلف أو عن الرسول سوي جلوسهم علي الأرض، كما أن الجلوس علي الأرض يجعلنا نتواضع ونتفكر في خالق الأرض !!! لكن هذا - وعلي خطورته - لا يهم إذ تقول أم أنس - حفظها الله - إن جلوس النساء علي الكراسي يجعلهن يفتحن أرجلهن فيصبحن عرضة للاشتهاء والهيجان الجنسي من معشر الإنس والجن !! طب وماله الجن؟؟ تقول أم أنس إن الجن لا يضاجع النساء إلا في وضعهن وهن يجلسن علي الكراسي أو الأرائك، وتضرب أم أنس المثل بالنساء الفاضلات اللاتي تبن إلي الله من الجلوس علي الكراسي بعدما شممن روائح خبيثة تنبعث من فرجهن بعد الجلوس وهو ما يؤكد أن جناً ما ضاجعهن!! كما تسوق أم أنس في أدلتها أن الكرسي من صنع الغرب الكافر الفاجر وأن اتباع هذا الغرب الماجن الداعر الفاسق يخرجنا من الملة لأنه يكسر قواعد الولاء والبراء. كان الموضوع مستفزاً لدرجة أنني هرشت في منطقة الدهشة المعتادة لديّ والتي أمتنع عن ذكر مكانها تعاطفاً مع المحترمين الذين يقرأون المقال، ثم إنني انطلقت في لعن أم أنس علي أم اللي جابوها علي أم من يتشدد لها، متحملاً من الأوزار ما اعتدت علي تخيله وأنا أكتشف في نفسي موهبة تأليف الشتائم الجديدة التي قد تسجل يوماً ما باسمي مقترنة بالحاجة أم أنس. لكن لأن العبد لله ليس (كروديا) إلي هذه الدرجة، قررت أن أبحث عن موقع أم أنس علي شبكة الإنترنت لأجده محجوباً. قلت إن الحجب ربما يكون للهجوم علي أم أنس لكنني فوجئت بالفتوي منقولة علي العديد من المواقع والمنتديات وبصيغة تقترب من التقديس لشخصية أم أنس الأسطورية لدرجة أن هناك خبرًا عليgoogle يتحدث عن زيارتها إحدي مدارس الرياض. بعد العديد من المحاولات في البحث والتي اكتشفت معها أن أناساً يعتبرون أم أنس من المجددات في هذه الأمة والمحافظات علي دينها اكتشفت أن أم أنس أصلاً شخصية وهمية غير موجودة، وأن دمها متفرق بين بعض العلمانيين الذين ضاقوا بالفتاوي الشاذة التي ابتلانا بها مشايخ حقيقيون فأرادوا الانتقام منهم ومن الإسلام بالمرة، وبين بعض الشيعة الذين أرادوا الرد علي الحرب السلفية ضدهم بأسلحة دمار شامل، إذ تقدم أم أنس علي أنها سلفية المنهج، وبين هؤلاء وهؤلاء صدق البعض الفتوي وروجها وكأنه يقدم خدمة للإسلام. صباح الهبل فعلاً. بل صباح التخلف الممزوج بالانحطاط المنقوع في الغباء المستخلص من حبيبات البله المغولي المصفاة إلي آخر قطرة، وصباح اللي بتغني كمان عشان ما تزعلش. حسابات يتم تصفيتها مع الدين ويروح ضحيتها العقل المسلم الذي يكاد يقترب من عقل العيال الصغيرة، والتي باتت تصدق كل شيء، بل إن العيال الصغيرة أكثر وعياً من هؤلاء. لكن تعال هنا من فضلك. إذا أشرت بإصبع الاتهام إلي شخص ما فإن باقي الأصابع ترتد إليك متهمة إياك. ألسنا نحن من ابتدعنا فتاوي إرضاع الكبير خمس رضعات مشبعات، وبول الرسول، وبول الإبل، وتحريم التصفيق، وقتل ميكي ماوس، وتحريم التصفير، وعدم مشاهدة المرأة بمفردها التليفزيون إلا في وجود محرم منعاً للفتنة؟ ألسنا نحن من قدمنا صورة سيئة للإسلام من البداية ارتفعت فيها أصوات المتشددين والمتقولين علي الإسلام والمفسرين للقرآن والحديث وفق هواهم والمقدسين لعلماء السلف وكأن الباطل لا يأتيهم أبداً؟ ألسنا نحن من حولنا الإسلام من دين تقدم وحضارة وعلم وعزة واحتواء لجميع المذاهب، إلي دين يشار إليه بالإرهاب والانتشار بحد السيف والعنصرية وكراهية الآخر؟ إذن فلنشرب. . اشربوا جميعاً..، وتذكروا قول الله تعالي «لكم دينكم ولي دين» وسلمولي علي أم أنس.