يحكي أن السيدة أم كلثوم، غفرالله لها، ظلمت الفنان الملحن الكبير زكريا أحمد ولم تعطه حقوقه المادية المستحقة مما دفعه إلي رفع قضية ضدها أمام المحاكم أدت إلي خصومة بينهما استمرت لسنوات، وأذكر أن الناس تعاطفت مع زكريا أحمد رغم حبهم لكوكب الشرق الذي يبلغ عنان السماء، ويحكي أن الشاعر العظيم إيليا أبو ماضي كان في قمة غضبه من الفنان العظيم محمد عبد الوهاب لأن عبد الوهاب لم يتورع عن مد يده بمنتهي البساطة، ولحن وغني قصيدة إيليا أبو ماضي «لست أدري» من دون استئذان واجب، واستغلها في فيلم «رصاصة في القلب» لمنفعته الفنية والمادية آكلا حقوق الشاعر المؤلف الذي لم يسامحه أبداً وظل يشكوه لكل رائح وغاد يمر عليه في محل إقامته بحي بروكلين في مدينة نيويورك. القصد من هذا الكلام هو تأكيد أن الحق أحق أن يُتّبع، وأن عظمة أي فنان أو فنانة مهما بلغت الذري لا تعطيه ولا تعطيها المبرر للجور والظلم واستحلال ما ليس من الحلال. من ملابسات ما تم نشره بخصوص منع الفنانة الجليلة فيروز من الغناء نكتشف أن الأمر قد تم تلخيصه بتهويل وبتحريف كبير يبتعد به عن أمانة الإعلام والحياد المفروض بين المتنازعين؛ ابتداء من تعمد إطلاق نعتاً «الورثة»، تصغيراً لشأنهم، علي من هم في حقيقتهم من أفذاذ شباب الفنانين العرب في مجال التأليف والتلحين والتوزيع الموسيقي والإخراج المسرحي، تشهد لهم به عروضهم المسرحية الموسيقية والغنائية وعلي رأسها عرض «آخر أيام سقراط»، الذي كان قد أنعش الموسم المسرحي القاهري بعرض افتتاحه علي مسرح دار الأوبرا 12/1/1999، وتجلت فيه مواهب العناصر الرحبانية الشابة أبناء المؤلف منصور الرحباني: المخرج مروان الرحباني الذي شارك في التلحين والتوزيع مع أخويه غدي الرحباني وأسامة الرحباني، نعم هؤلاء الأشقاء الثلاثة النابغين، مع الموهبة بالعلم وبالدراسة، هم الذين شاءت الدعاية الإعلامية المغالطة تجاهل بياناتهم الشارحة لوجهة نظرهم وسندهم القانوني المعتمد علي مبدأ «العقد شريعة المتعاقدين»، والإصرار علي نعتهم ب «الورثة» واختزالهم في صورة المتعنتين المدفوعين بشهوة حب المال لضرب الفن وقيم الفن وعدم التقدير للمكانة الفنية العالية لخالتهم العزيزة «فيروز» ومنعها، ويا للهول، من الغناء! لهذه الدرجة يمكن للأكاذيب أن تعلو فوق الحقيقة، لهذه الدرجة يمكن ابتذال الوقفات الاحتجاجية لتصبح احتجاجا علي العدل وعلي سلطة القانون في توخّيه وإقراره، لهذه الدرجة يمكن خيانة الحب لفيروز بتوريطها فيما لا يليق بها وهي التي طالما شدت بصوتها المُعجز وروحها الطيبة للحق والعدل والخير والجمال! لا أحسبني في حاجة إلي التنويه بأنني لست مدفوعة من أحد لأنتصر لمبدأ «لاتأكلوا أموال الناس بالباطل»، وبأنني لم أقابل في حياتي الفنانين: مروان وغدي وأسامة، أولاد الفنان منصور رحباني، وإن كنت قد نقلت إليهم عزائي في والدهم الكريم الفنان الباهر منصور الرحباني، يوم رحيله، عبر صديقتي العزيزة الأديبة الأستاذة إملي نصر الله وهي شاهدة علي ما أقول.