أشهد أنك يا شيخ سعود الناصر بذلت قصاري جهدك و«عصاري» ذهنك لتهدئة الأوضاع، فحملت خراطيم مياهك ورحت تجري بين النيران، تطفئ هذه فتشتعل تلك، وتطفئ تلك فتندلع تيّاك، فلك منا الشكر والنفاذ. لكن يا أيها الشيخ الذي نحب ونحترم، سبق أن قلتها لك وقالها لك آخرون، هآنذا أكررها: «القضية ليست شخصية بيننا وبين ابن عمك سمو رئيس الحكومة. القضية قضية منهج ومسلك وطريقة إدارة الرئيس للدولة التي هوَت إلي قعرٍ قعير» . أقول هذا بعد أن تلقيت اتصالاً قبل يومين من الشيخ سعود تمني عليّ فيه «التهدئة» كما قد تمني من قبل، علّه يستطيع حلحلة الأمور المتربسة، فأجبته: «سبق وطالبتني بالتهدئة مرتين، وكان ردي (تمون يا أبا فوّاز، لكن عليك أن تطالب الرئيس بتغيير سياساته. علي أن موافقتي مربوطة بساعة يدي وبالروزنامة المعلقة علي الحائط، ليست مفتوحة الأجل)، وبالفعل كتبت مقالتين أو ثلاث في «الدستور»، تعمّدتُ فيها، إكراماً لك، المشي علي الشاطئ، وابتعدتُ عن الأعماق، لكن الرئيس لم يقبل بواسطتك، كما يبدو لي، واستمرَّ علي نهجه، ينزع «الخَضار» ويزرع «الصفار»، فيطرب لعّاقوه ويصرخون كما كان يصرخ جمهور الشيخ عبد الباسط عبد الصمد بعدما يتجلي علي مقام النهاوند «الله أكبر.. الله يفتح عليك يا شيخ» . فلا تلمني يا أبا فوّاز إن أنا رفعت أشرعتي، ولا تعتب عليّ إذا ضربت بسفني عرض المحيط. والشيخ سعود، لمن لا يعرفه من خارج الكويت، هو أحد أبناء الأسرة الحاكمة البارزين، وأحد أبطال تحرير الكويت، ذو شخصية قيادية، ونظرة ثاقبة واضحة، تدفعنا للتصفيق له وقوفاً.. وكان قد دعا المعارضة، قبل نحو شهر، إلي وليمة عشاء في منزله، فحضرنا، ودارت الأفكار بيننا حتي داخت، ثم اجتمع هو مع أبناء الأسرة الحاكمة برئاسة سمو ولي العهد، ثم مع صاحب السمو أمير الكويت، ثم تشكلت لجنة برئاسته وعضوية نائب رئيس مجلس الوزراء الشيخ أحمد الفهد لإخراج البلد من «القعر»، علي أن تنضم إليهما مجموعة من المعارضين.. وليتك تعلم، يا أبا فواز، كم عدد المتصلين الذين أعلنوا تأييدهم لي، بعدما بلغهم خبر قضية الرئيس المرفوعة ضد رئيس التحرير الزميل إبراهيم عيسي، وضدي، وعلي رأس المتضامنين مجموعة من رجال القانون والمحاماة، من أمثال الخبير الدستوري د. عبيد الوسمي والمحامي عبد الله الأحمد وآخرين كثر أعلنوا استعدادهم للحضور معي إلي القاهرة في تظاهرة قانونية، سيدعون إليها أساتذتهم في جامعات مصر، وسيدعون ممثلين عن المنظمات العالمية المهتمة بالحريات، لتتوحد «أرواب» المحاماة الكويتية والمصرية أمام القضاء المصري الشامخ دفاعاً عن حرية الرأي.. وتأتي قضية الرئيس وهو في أقصي الأرض، في أمريكا اللاتينية، علي رأس وفد عرمرم، لو أنه أراد بهذا الوفد احتلال «الأندلس» لاحتلّها، كما فعل الداهية الأعور عبد الرحمن الداخل، أو لأجبر سموّه الإسبان علي دفع الجزية وهم صاغرين. ويبدو أن سموّه قد قرر تحدي كريستوفر كولومبوس، بعد أن «اكتشف» دويلة اسمها «غيانا التعاونية»، (عليّ الطلاق هذا هو اسمها)، وكأن ما ينقصنا هو الكزبرة والبطيخ كي نذهب إلي «التعاونية» ! دولة لا تُري بالمايكروسكوب المجرد، وقّع معها معاهدات تعاون، فأصبحنا نتعاون مع التعاونية، ففغر الشعب الكويتي فاه، وهرولنا إلي «غوغل»، وسألناه ونحن نلهث: «ما هي غيانا التعاونية يا عمنا؟»، فراح يعصر مخه، ويضرب جبهته بقسوة ويتذكر.. بعد ذا فرشَ سموّه الخريطة، وراح يبحث في قيعان المحيطات الباردة عن جزيرة لم يكتشفها أحد من قبله، ورفع طرف السرير، ثم سحب كراسي الأنتريه، فوجد دويلة ملقيّة هناك، في كوع الكوكب، وبمساحة شقة مفروشة، اسمها «تيري وينداد وتوباغو»، أو حاجة زي كده، تحيط بها الأسماك شرقاً والحيتان غرباً، ويسكنها خمسة عبيد، مع التقدير، وثلاثة حمير، وجاموسة، وتعتمد في رزقها علي قصبتي سكر ومصنع بيرة. ووقّع معها معاهدات تعاون! والجولة علي حساب المال العام. فلا تتعب نفسك أكثر يا شيخ سعود، وألقِ خراطيمك توفيراً للمياه، وتمعن في السؤال الذي تطرحه المعارضة ولم يجبها عنه أحد: «هل يستطيع سمو الرئيس أو لعّاقوه ذكر إنجاز واحد خلال فترة رئاسته التي امتدت أربع سنوات؟». ولك مني يا شيخ سعود أن «أهدّئ اللعب شوية» كما تريد، بل وسأنقلب إلي مناصر له، متي ما التزمت أنت وتعهّدت بأنه سيغيّر نهجه، لأننا نثق في كلمتك.. فهل توافق؟