قادني الحظ والحظ فقط ولا أدري إن كان حسنا أم تعيسًا أن انتقل من حي سكني إلي مجاورة الأكابر قاطني الكومبوندات المسوَّرة؛ في محاولة مني أن أقترب من مكان عمل جديد التحقت به مؤخرا، وأنا أستشعر أنه لابد سيأتي اليوم الذي يزحف فيه الفقراء علي هذه القري المسيَّجة التي تعزل سكانها عن «سكان مصر الأصليين» علي حد تعبير الكاتب الساخر بلال فضل، وانتابني نوع من الخوف أنهم في زحفهم سيأتون علي الأخضر واليابس، وأني سأظل أُضرب ضمن من اقتربت لأسكن معهم إلي أن يبين لي صاحب، وأنا أصرخ مؤكدة أني لست منهم، ولا من مستمع أو مستجيب، وأفيق من سرحتي الطويلة هذه وأنا أرتعد من توقعي لثورة عارمة لن يُفرق القائمون بها بين من معهم ومن عليهم.. وسيكون معهم العذر كل العذر؛ لأن مآل ثورة يوليو التي قيل لهم إنها قامت من أجلهم.. قد أوصلهم مرة أخري إلي طريق مسدود ليس أمامهم فيه سوي الثورة مرة أخري. الظريف حقا، أني اعتدت علي مشاهدة سكان المنتجع النائي وهم أو وهن يفسحون كلابهم يوميا، وكل يتباهي بما يقتني من أنواع البيتس المؤصلة، والأظرف أو الأطرف في الأمر أني استيقظت يوما لأجد علي باب شقتي المتواضعة التي استأجرها ولا أمتلكها إعلانًا غاية في الغرابة، عن فندق للكلاب، يؤكد أصحابه أنه «خاص وبه العديد من الخدمات المتميزة بأسعار خاصة جدا، وفيه إقامة متميزة وأكل خاص للكلاب والقطط (مفروم- خضار)».. أي والله هكذا كتبوا هذه العبارة وبين قوسين تحديدا لأنواع الطعام!!.. ناهيك عن ملحوظة بخط كبير ومائل تقول: «يوجد لدينا حضانات للولادة برعاية صحية وطبية ممتازة»!!! ويستمر المعلن في تعديد مزايا فندقه لنزلائه وعملائه فيقول نصاً: «رعاية طبية فائقة، وحمامات طبية للكلاب والقطط ضد الحشرات والبراغيث والطفيليات الخارجية، تهذيب وتقليم الشعر والأظافر للكلاب والقطط، تدريب متقن للطاعة والحراسة، وغرف مبيت واسعة، ومساحات خضراء للترفيه»، أي والله مرة أخري، هذا نص الإعلان الذي استفزني لدرجة أني لم أستطع أن أكتم غيظي، خاصة أن هذا الإعلان تواكب عثوري عليه مع سماعي لشكوي سيدة من سكان الدويقة، الذين تكرمت عليهم الدولة بمنحهم مساكن بديلة في منطقة تسمي هرم سيتي، مساحة كل شقة 38 مترًا، أي والله لثالث مرة، ولا أدري لماذا لم يراع المهندس الذي صممها وبناها، ولا الدولة التي منحتها للغلابة من سكان العشوائيات، أن تضم هذه المساكن أيضا «غرف مبيت واسعة ومساحات خضراء للترفيه»؛ أسوة بالكلاب!! ولعله من سوء الطالع أني عشت إلي اليوم الذي بتنا فيه نحسد الكلاب، علي الغرف المتسعة والمساحات الخضراء.. بعد أن حاصرتنا أكوام الزبالة عند كل ناصية في كل حي من أحياء القاهرة الكبري تقريبا، من مدينة نصر إلي المهندسين لا فرق! هذا ولقد جعلني هذا الإعلان أنظر _كما يقول متحدثو برامج التوك شو -إلي نصف الكوب الملآن.. بدلا من النظر فقط إلي النصف الفارغ، وأضع هذا الإنجاز العملاق تاجًا علي رأس منجزات الحزب الوطني وحكومته الغراء، التي رفعت من شأن سكان العشوائيات، ونقلت حياتهم نقلة نوعية.. وإن حددت إقامتهم في 38 مترًا فقط.. الأمر الذي لا يجعلهم يصلون بحال إلي مستوي الكلاب!! وهذه النظرة المتفائلة جعلتني أقترح إرسال مثل هذا الإعلان إلي طيبة الذكر برجيت باردو التي دأبت هي وأمثالها من المتنطعين في حق الشعوب العربية والإسلامية.. وخاصة مصر التي طالما اتهمت بأنها تسيء معاملة الحيوانات، حتي يتأكدوا أننا شعب راق يعطي كل ذي حق حقه، ويهتم بالرفق بالحيوان أكثر من اهتمامه بالبشر، وصدق من قال في مصر أم العجايب: وللكلاب حظوظ!!!! تحريراً في الجمعة الموافق 23 يوليو 2010