رجل الدين، أي دين في نظر من يدينون بهذا الدين، هو عبارة عن مجموعة من القيم والمبادئ والأخلاق والمثل تمشي علي الأرض، وهو قدوة في كل ما يفعل، فهو في سلوكه سُّنة عملية يقتدي بها الناس دون أن يشعروا، وإذا كان الإسلام لا يعرف رجل الدين كما هو في باقي الأديان، لكنه بلا شك يعرف علماء الدين الذين يُعَلِّمون الناس مبادئ الدين الإسلامي وخلقه وتعاليمه، وإن كان بعد إنشاء الأزهر الشريف عرف الناس رجلا يلبس زيا معينا وعمله تعليم الناس مبادئ دينهم وهدايتهم إلي الطريق السليم في الدنيا والآخرة. ورجال الدين في كل عصر موضع احترام الناس وتقديرهم، نظرا لما يتحلون به من سلوك قويم وأخلاق حميدة ومبادئ سامية يرونها مجسمة في هؤلاء الناس، ومن هنا كانت مهمتهم في الحياة صعبة وسلوكهم محط الأنظار وليس لهم ما لغيرهم من الحرية في الحياة العامة في الطرقات والأماكن العامة. وخروج أي رجل دين عن هذا السلوك والمظهر يجعله موضع انتقاد شديد وقاسٍ لا يرحم لأنه لا يغتفر له ما قد يغتفر لغيره من سلوكيات. ورجال الدين في وضعهم هذا يكونون دائما متبوعين لا تابعين، يلتمس الناس رضاءهم لأنهم يجدون أن هذا الرضاء دليل علي أن سلوكهم قويم يرضي عنه الله سبحانه وتعالي، وليس مقبولا أو مرغوبا في نظر الناس أن تري رجل الدين تابعا لأحد حتي للحاكم نفسه فضلا عن أحد أتباعه ومن هنا كان مستغربا من الناس أن يقول شيخ الأزهر السابق رحمه الله إنني لست إلا موظفا في الدولة وأن يطيع الحاكم في تعامله مع الإسرائيليين، رغم أنه يعرف عنهم أكثر مما يعرف الحاكم نفسه، ومستغربا أيضا من الناس ألا يستطيع شيخ الأزهر الحالي الاستقالة من الحزب الوطني بعد تعيينه شيخا للأزهر إلا بعد استئذان رئيس الحزب الذي هو رئيس الجمهورية. وإذا كان هذا هو مسلك شيخ الأزهر وهو أعلي قيمة دينية إسلامية في مصر بل في العالم أجمع الذي يضع الأزهر في مكانة عالية لا تساويها مكانة أخري فهل يمكن أن نتعجب من شيخ مسجد المنصورة الذي نفذ تعليمات رجال الشرطة بأن تكون الخطبة حول وجوب طاعة الحاكم والخضوع لها أيا كان هذا الحاكم حتي ولو كان قد أتي عن طريق التزوير ولا يرغب في أن يترك مكانه إلي آخر نفس يتردد في صدره وكأن الرئاسة ستكون شافعا له يوم القيامة عند ربه عما ارتكب من الذنوب في حياته؟!. وهل يمكن أن نتعجب لسلوك إمام مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية الذي رفض أن يصلي صلاة الغائب علي شهيد شرطة الإسكندرية خالد سعيد وأطفأ الأنوار عقب الصلاة ونزع مكبرات الصوت وأمر بإغلاق المسجد، وإخلائه من المصلين؟!. وهل يمكن أن نتعجب من سلوك إمام مسجد سيدي جابر يوم الجمعة 25/6/2010، الذي أخذ يطيل في خطبة الجمعة ويتحدث عن موضوعات لا رابط بينها لمدة أكثر من ساعة لعل الناس الوقوف في الشمس خارج المسجد تصيبهم ضربة شمس تمنعهم من الاشتراك في المظاهرة التي حضر الناس من أجلها وينصرفون إلي حال سبيلهم وبالطبع كان كل ذلك بتعليمات من الشرطة، وقد وضع الرجل نفسه ومكانته الدينية موضع الاستهجان وثار الناس عليه وأوقفوه بالقوة عن الحديث واضطر تحت ضغوطهم لإنهاء الخطبة وجعل الناس تتشكك في صحة هذه الصلاة وهل هي صلاة جمعة أم ظهر عادي وهل يعيدون هذه الصلاة التي أصبحت في نظرهم غير مقبولة؟!. لو تذكر أي من هؤلاء الشيوخ أنه في وقوفه علي المنبر إنما يقف مكان رسول الله صلي الله عليه وسلم فهل يمكن أن يقوم بمثل ما قام به ويعرض نفسه لمثل ما تعرض له من إهانة وسخرية واستهزاء؟!. هؤلاء الشيوخ الأفاضل هم الذين يعلمون الناس حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم «إن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك وأن الدنيا كلها لو اجتمعت علي أن ينفعوك بشيء فلن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا علي أن يضروك بشيء فلن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك»، أي أن رجل الشرطة والحاكم بصفة عامة لا ينفع ولا يضر وإنما النافع والضار هو الله وحده، وأن الاعتقاد بغير ذلك هو نوع من الشرك بالله. رجال الدين الذين يعلموننا ذلك لا يطبقونه وهو أكبر دليل علي أنهم يقولون ما لا يفعلون. يوم قبلت وزارة الأوقاف أن تكون خطبة الجمعة مراقبة من إدارة المباحث بل تكتب فيها وترسل إلي خطباء المساجد لتلاوتها فقط أصبح هؤلاء الأئمة تابعين ليس لإدارتهم وإنما لإدارة مباحث أمن الدولة بل قل إن إدارتهم أصبحت فرعا من مباحث أمن الدولة. خطيب مسجد المنصورة الذي كان يطلب من الناس إطاعة ولي الأمر بعدم التظاهر للمطالبة بحقوقهم المسلوبة التي قام ولي الأمر بالاستيلاء عليها دون وجه حق يذكرني برجل الدين في فيلم الزوجة الثانية الذي كان يحاول إقناع رجل بطلاق زوجته حتي يتزوجها العمدة الذي يرغب في الزواج منها رغبة في الولد الذي لم يستطع الحصول عليه من زوجته الأخري، تري من نلوم في هذا الأمر؟، رجل الدين الذي أصبح ألعوبة في يد رجال الشرطة ولم يضع تعاليم دينه التي تقول: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، أم رجل الشرطة الذي تجرد من الدين والأخلاق والقيم وسخر الدين في خدمة الظلم والطغيان ولم يكفه أنه سَخَرَ نفسه في إطاعة الظالمين بل يريد أن يضيف إلي ذلك تسخير فئة من الناس المفروض أنه هو نفسه يكون في طاعتها ملتزما بأوامرها ونواهيها قبل التزامه بطاعة رؤسائه، أم نلوم الحكومة التي أعطت بحرصها علي الطوارئ رجل الشرطة سلطة جعلت منه حاكما فوق الحاكم؟! أدعو رجال الدين من المسلمين لأن يتذكروا سلفهم الصالح الذين كان الحاكم يرتعد خوفا منهم؛ لأنهم يعلمون مدي قوة إيمانهم وعدم حرصهم علي الدنيا وتعلق الناس بهم واحترامهم. يقول المثل: «أذل الحرص أعناق الرجال»، وهو قول صادق تماما، فلولا الحرص علي الحياة ومتعها لما قام رجال الشرطة بما يقومون به الآن من أفعال تضعهم في موضع المساءلة أمام الله والناس، ولولا الحرص لما خنع الناس أمام جبروت السلطة التي تمارسها الحكومة عن طريق رجال الشرطة، ولولا الحرص علي السلطة لما قامت الحكومة بمد حالة الطوارئ لكي تتمكن من إخضاع الشعب والسيطرة عليه ومنع أي حراك شعبي يطالب بالحرية والديمقراطية،ولولا الحرص لما وافق أعضاء مجلس الشعب من الحزب الوطني علي مد حالة الطوارئ التي يعلمون جيدا أنها لا تطبق إلا علي أصحاب الرأي من المعارضة القوية التي يعمل لها حساب وأن تجار المخدرات والإرهابيين لا يزعجون الحكومة بمثل ما تزعجها المعارضة القوية التي هي الخطر الحقيقي علي سلطتهم. وإذا كان كل هؤلاء يحرصون علي الحياة أي حياة مثل اليهود فكيف نلوم خطيب مسجد لا حول له ولا قوة يقضي معظم وقته في مقار مباحث أمن الدولة لسؤاله عن كلمة قالها أو جملة تفوه بها علي خلاف التعليمات؟!. رجال مباحث أمن الدولة للأسف ليسوا حريصين علي أمنها بل علي أمن الحاكم، وهم في حرصهم يقومون بأعمال تظهرهم بمظهر غير لائق وتسم تصرفاتهم بالغباء وقصر النظر وعدم الإدراك، وجميع الحيل التي يلجأون إليها في قمع المظاهرات وتفريقها تدل علي غباء شديد وقصور في التفكير لا يتفق مع ما يجب أن يكون عليه رجل الأمن من ذكاء وفطنة وسعة حيلة تمكنه من أن يقوم بما يقوم به دون أن ينكشف أمره بهذه السهولة وأن يحبط عمله بهذه السرعة وينكشف عملاؤه بهذا اليسر وهذه البساطة كما انكشف أمر خطباء المساجد الثلاثة والبقية تأتي.