«أنا راعي بقر مسكين وحيد.. موطني بعيد بعيد.. ولكني سعيد».. بتلك الأغنية البسيطة والجميلة كان «لاكي لوك» ينهي دوماً مغامراته المثيرة.. كادر النهاية في كل مغامرة لم يكن يتغير.. «لاكي لوك» يمتطي صهوة حصانه الوفي «أصيل».. تاركاً المدينة أو المقاطعة التي كانت تدور فيها أحداث مغامرته.. متجهاً تجاه قرص الشمس التي لن تعرف إذا كانت في طريقها للمغيب أم للإشراق.. «لاكي لوك» في مغامراته يقابل العديد والعديد من الكاراكترات والشخصيات.. رجال عصابات أغبياء وتجار وغانيات وبائعات هوي ورجال دين وحانوتية.. يخوض معهم صراعاته ودرامته وقصصه.. وفي النهاية يعود إلي وحدته.. يمتطي صهوة حصانه الجميل، «أصيل».. ثم يرحل باتجاه قرص الشمس.. مدندناً كلمات أغنيته الجميلة.. «أنا راعي بقر مسكين.. وحيد.. موطني بعيد.. بعيد.. ولكني سعيد»! «لاكي لوك» موجود في حياتي منذ ولدت.. وعيت علي الدنيا ومغامراته المثيرة في المنزل (في هذا الصدد اسمحولي أن أشكر أخويا الكبير.. «وليد».. فهو صاحب الفضل في ذلك).. أتذكر أيام طفولتي.. عندما كنت لا أزال مغفلاً صغيراً يرتدي بيجامته الزرقاء المخططة ويستغل يوم الجمعة يوم أجازته الأسبوعية من المدرسة.. ليرتب مجلاته وكتبه القليلة.. ويتأكد أنها مرتبة حسب التسلسل الرقمي الصحيح للأعداد.. كنت أعتبر هذا الترتيب الأسبوعي وذلك التقليب والفر في أوراق تلك المجلات طقساً مهماً أعتبره بمثابة لقاء أسبوعي لي مع أبطالي المحببين إلي قلبي.. «تان تان» و«ميكي» و«بندق» و«عم دهب» و«بطوط».. «استريكس» و«أوبليكس».. «سوبر مان» و«الرجل الوطواط».. وأبطال آخرون كثيرون.. ودوماً.. أتركه للنهاية.. «لاكي لوك».. بطلي الرئيسي الذي أعشق تفاصيله وصياعته وجرأته وعشقه الجارف لخوض المغامرات بسيجارته المتدلية دوماً من فمه حتي أثناء كلامه.. أو كيس التبغ المتدلي من فمه في حالة ما إذا كان بيلف السيجارة.. كانت تلك أول تفصيلة يكسر بها «لاكي لوك» المألوف عندي من أن شخصيات الرسوم المصورة ما بتشربش سجاير.. لأ.. ممكن تشرب سجاير ولف كمان.. «لاكي لوك» لا يملك منزلاً في أي مكان.. مكانه هو المكان الذي تدور فيه أحداث مغامرته الجديدة.. يتنقل من الفندق دا للفندق دا.. قد يقابل في الحانة أو البار المواجه للفندق فتاة يحبها.. وقد يقابل شخصاً يطلق عليه الرصاص رغبةً في قتله.. «لاكي لوك» ليس بطلاً خارقاً ولكنه يطلق الرصاص بسرعة تفوق ظله.. لدرجة أنه بالفعل يطلق الرصاص علي خياله قبل أن تتحرك يد خياله علي الحائط وتخرج المسدس من جرابه.. «لاكي لوك» يتعامل مع غباء أفراد عصابة «الإخوة دالتون» بغباء مواز لغبائهم.. بينما يتعامل مع ذكاء وخداع لاعبي الورق في الحانات الليلية بذكاء وخداع مواز لنصاحتهم.. ينهي المغامرات بعقله قبل مسدسه.. يذهب إلي البارات ويشاهد راقصات الإستربتيز ولكنه لا يشرب الخمر ويشرب بدلاً منه الحليب! «لاكي لوك» يدرك جيداً أنه بعد كل مغامرة يخوضها وبعد كل قصة قصيرة مع بنت يعيشها.. وبعد كل بلد جديد يذهب إليه.. وبعد كل حانة ليلية تطأها أقدامه.. وبعد كل مخاطرة يخرج منها سالماً.. بعد كل هذا.. يعلم جيداً أنه سوف يعود لوحدته من جديد.. ممتطياً صهوة حصانه الوفي «أصيل» بينما يتدلي كيس التبغ من فمه أثناء لفه لسيجارته التي لا تفارق فمه.. ليواصل رحلته من جديد تجاه قدره المحتوم ومصيره الذي ينتظره ومغامرته القادمة التي لا يعلم شيئاً عن تفاصيلها.. يرحل «لاكي لوك» في نهاية كل مغامرة تجاه قرص الشمس من جديد سعيداً بوحدته.. مدندناً بكلمات أغنيته الجميلة والبسيطة! مؤخراً.. كلما حدث ما لا أفهمه في تلك الحياة.. أتذكر أبطالي بتوع الرسوم المصورة وعلي رأسهم الصايع بتاعهم «لاكي لوك».. أتذكرهم وأتذكر مغامراتهم المصورة.. وأبتسم.. وأصفح عن تلك الحياة اللي أنا مش فاهمها لغاية دلوقتي.. وأدع ما وراء ظهري وراء ظهري.. وأواصل رحلتي للأمام.. تجاه قرص الشمس.. راضياً وهادئاً ومدندناً بكلمات جميلة وبسيطة مثل تلك.. «أنا راعي بقر مسكين وحيد.. موطني بعيد.. بعيد.. ولكني سعيد»!