أرجو أن نكون جادين هذه المرة، أقول ذلك بعد تصريحات رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب بأن الدولة ستخوض حربًا شرسة ضد مغتصبى الأراضى، وأن قرارات لها قوة القانون ستصدر بهذا الشأن خلال أيام، وقدَّر رئيس الحكومة مستحقات الدولة بهذا الشأن بما يتجاوز 94 مليار جنيه. أما لماذا الرجاء بأن نكون جادين هذه المرة، فلأننا تابعنا قبل ذلك محاولات عديدة بهذا الشأن، اصطدمت -فى سنوات سابقة- بمقاومة شرسة من حزب الفساد الذى كان قد سيطر قبل الثورة على مفاصل الدولة، وتوغل فى عملية نهب للمال العام لم تشهدها مصر من قبل، وكان طبيعيًّا أن تنتصر -فى الظروف السابقة- دولة الفساد، وأن يستمر النهب، وأن تقف المؤسسات الرسمية عاجزة عن تطبيق القانون، بعد أن أصبح العناد هو القانون! والرقم الذى يذكره رئيس الحكومة «94 مليار جنيه» يبدو -رغم ضخامته- متواضعا جدا، إذا عرفنا أن ما تم نهبه من أراضى الدولة يصل إلى ثلاثة ملايين فدان! وأن بعضها لم يُدفَع فيه شىء، وبعضها الآخر بِيعَ بأسعار رمزية على أساس أن يتم استصلاحه ليكون أرضًا زراعية منتجة، فإذا به يتحول إلى منتجعات سياحية وقصور فاخرة وملاعب للجولف واستراحات لأبناء الأكابر فى دولة المحاسيب! كان نهب أراضى الدولة هو الوسيلة الأسرع للثراء غير المشروع، وهذا الملف وحده يكفى لمحاكمة عهد بأكمله وكشف فساده الذى جاوز كل الحدود، وأظن أن هذا أصبح مطلوبًا، بعد أن أطلت رموز هذا الفساد من جديد تحاول العودة بمصر إلى الوراء، وتسعى لاستعادة ما فقدته من نفوذ، وتستخدم الثروات الحرام التى جمعتها من الفساد والاحتكار لتشويه الثورة ووضع العراقيل أمام تحقيق أهدافها فى العدل والحرية والكرامة الإنسانية التى داسوها بالأقدام حين جمعوا بين السلطة والثروة، واستأثروا بكل خيرات مصر، تاركين للغالبية العظمى من الشعب هذا الميراث الثقيل من الفقر والتخلف والفساد. بالتأكيد.. سوف يقاوم هؤلاء حتى لا يردوا شيئًا مما نهبوه، وسوف نسمع الحكايات المعتادة بأن مطاردة فسادهم سوف تسىء إلى مناخ الاستثمار، والحقيقة التى يعرفونها مثلما نعرفها أن فسادهم هو الذى يطرد الاستثمار الحقيقى ويغلق الأبواب أمام الشرفاء الذين يريدون أن يحكمهم القانون، وأن يمنع عنهم سماسرة الفساد. استرداد ما تم نهبه واجب وطنى، ومطاردة الفاسدين هو المطلوب إذا أردنا مناخًا جاذبًا للاستثمار، والأهم من ذلك كله أنه يعطى الرسالة المطلوبة للمواطنين الذين تحملوا عبء سنوات الفساد، والذين يتحملون الآن عبء عملية الإصلاح. الرسالة تقول إن ما أُخذ بغير حق سيعود بالقانون، وإن الأعباء ستوزع بالعدل، وإن الحرب ضد الفساد هى جزء أساسى من أى إصلاح مطلوب، وإن حلم حزب الفساد بالعودة لنفوذه القديم قبل الثورة هو المستحيل. مهم جدًّا أن تستعيد الدولة ما نهبه هؤلاء الفاسدون، لكن الأهم أن يدرك الجميع أن هناك دولة، وأن هناك قانونًا، وهناك ثورة لن يكون لها معنى إلا إذا استردت الحقوق الضائعة وأقامت العدل الذى غاب طويلًا.