اتجهت مصر في أعقاب انتفاضتين جماهيريتين أطاحتا بنظامي حسني مبارك القمعي القميء والإسلام السياسي الفاشل ممثلاً في جماعة الإخوان التي لم تُفعّل طوال عام كامل في السلطة سوى «الأخونة» وإعادة إنتاج نظام «التبعية والارتهان» للغرب وللمساعدات، نحو عروبتها واستقلالها الوطني واختارت أن تبدأ مرحلة الكرامة القومية الرافضة للابتزاز ووضع كل البيض في سلّة أمريكا التي لا تُخفي ربط «المساعدات» بالشروط السياسية. وقام القادة الجدد في مصر أخيرًا بتكثيف حركتهم على جبهة العلاقات المصرية الروسية «القديمة الجديدة»، وهي حركة غير مسبوقة منذ العلاقات بين مصر في عهد الزعيم الراحل جمال عبد الناصر والاتحاد السوفييتي. البداية كانت في 13 نوفمبر الماضي، عندما وصل القاهرة وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان، سيرجي شويجو وسيرجي لافروف؛ الممثلان ل«رأسي العسكرية والدبلوماسية» في موسكو، على رأس وفد يضم مسؤول دائرة التعاون العسكري وممثلين لشركة «روس أوبورون إكسبورت» الحكومية الروسية لتجارة الأسلحة، في زيارة هي الأولى على هذا المستوى في تاريخ العلاقات بين البلدين.
وليس هناك أوضح من أن هذه الزيارة مثّلت فصلاً جديدًا في مسيرة العلاقات بين موسكووالقاهرة، وإحياءً للعصر الذهبي بينهما؛ حيث إن هذين الوزيرين لا يزوران معًا، وفق صيغة تسمى في موسكو (2+2)، سوى دول كبرى مثل «الصين وفرنسا وألمانيا والولاياتالمتحدة».
وفي الشهر الماضي، اختار الرئيس عبد الفتاح السيسي، روسيا كوجهة لأول زيارة له إلى دولة غير عربية منذ انتخاتبه رئيسًا للبلاد، بعدما قامت الولاياتالمتحدة بتعليق نقل بعض الأنظمة العسكرية إلى مصر، الأمر الذي دفع السيسي إلى طلب مساعدة موسكو لتنويع مصادر البلاد من المشتريات العسكرية، ووفقًا لعدة تقارير، وقّع الرئيس السيسي على صفقات لشراء أسلحة بقيمة ملياري دولار من روسيا خلال زيارته لموسكو في فبراير، وفي المرحلة المقبلة، يمكن أن تؤدي مبيعات الأسلحة هذه إلى إضعاف الميزة العسكرية النوعية التي تمنحها واشنطن لإسرائيل، وتصبح عامل إثارة آخر في العلاقات الأمريكية المصرية. روسيا والثورة المصرية لقد كان لروسيا علامات استفهام على موجة الثورات العربية بشكل عام، فقد كانوا في البداية متشككين، ومدفوعين بالسؤال: وماذا بعد؟ وكان تحليلهم أن الأمور ستؤول في نهاية الأمر إلى قوى الإسلام السياسي الذي يتخوفون منه بشكل كبير، مدفوعين بتجربتهم في الشيشان، لكنهم عقب سقوط معمر القذافي في ليبيا، بدأوا في العمل للحيلولة دون سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وخسارة دولة أخرى حليفة، وها هم الآن يدخلون مرحلة جديدة ليس فقط عبر مساعدة نظام يتهاوى كما هو الحال في دمشق، وإنما عبر مزاحمة الأمريكيين في ملعب استراتيجي انفردوا به طوال أربعين عامًا من حكم الرؤساء «أنور السادات، وحسني مبارك، ومحمد مرسي، وعدلي منصور»، وبين الأخيرين والمجلس العسكري برئاسة المشير حسين طنطاوي. عودة التعاون المصري الروسي وتقليل نفوذ الولاياتالمتحدة في مصر إن عودة التعاون المصري الروسي وتبادل الزيارات لم ينتج فجأة أو بلا مقدمات، بل كانت هناك تفاهمات سابقة ناقشت التفاصيل في السر بين القاهرةوموسكو، وكانت زيارة رئيس الاستخبارات الروسية الجنرال فيكسلاف كوندراسكو، نهاية أكتوبر الفائت، إحدى هذه المقدمات، وكانت بمثابة إشارة إلى أن مصر تتجه الآن صوب المعسكر الشرقي لإحياء العلاقات الروسية المصرية، ما يمثّل تلويحًا للولايات المتحدة بأن القاهرة تستطيع إعادة رسم علاقاتها الدولية مرة أخرى؛ وهذا ما أربك الحسابات الأمريكية، لاسيما أن روسيا عضو تجمّع «بركس» الذى يضمّها مع «البرازيلوالصين والهند وجنوب إفريقيا»، وهو تجمّع اقتصادي يهدف أساسًا لمواجهة التسلط الأمريكي الغربي على التجارة الدولية. بعث الروح في التعاون العسكري الكبير بين القاهرةوموسكو وفيما يتعلق ببعث الروح في التعاون العسكري الكبير بين القاهرةوموسكو؛ وجب التوضيح بأن التعاون العسكري بين البلدين لم ينقطع أساسًا، وهناك اتفاقيات موقعة مازالت سارية تخص بالأساس منظومة الدفاع الجوي. كما أن تلك الاتفاقيات العسكرية لم تكن سرًا على الولاياتالمتحدة، فقد كانت على علم وإطلاع بذلك، وهذا ما يشير إلى أن محاولة القاهرة استعادة شيء من الزخم في التعاون العسكري مع موسكو لا يعني التوجه لمقاطعة التعاون العسكري مع أمريكا؛ بمعنى أن مصر قررت اعتماد فكرة «تنويع مصادر السلاح» منذ فترة، وليس كما يشاع حاليًا بأن هذا التوجه مبني في الأساس على قرار الوقف الجزئي للمساعدات العسكرية الأمريكية. أزمة مصر الاقتصادية وشراء أسلحة ومعدات عسكرية باهظة الثمن رغم أن مصر تمر بأزمة اقتصادية خانقة، إلا أنه باستطاعتها شراء الأسلحة والمعدات العسكرية باهظة الثمن من موسكو، وذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار ما أكده مسؤول الشركة الروسية لتجارة الأسلحة، اهتمام بلاده بتوريد السلاح الجديد إلى مصر، وتصليح المعدات التي تم توريدها في عهد الاتحاد السوفيتي، وتزويد القاهرة بطائرات حديثة ومنظومات صواريخ دفاع جوي بطرق مرنة ومبسطة وفي صورة دعم عسكري من روسيا. العقود التي يمكن لروسيا أن تجنيها في مصر إن ما ستجنيه موسكو من تعاونها مع القاهرة؛ يتمثل في أن مصر تُعد بديلاً استراتيجيًا جديدًا لروسيا في الشرق الأوسط بعد ضعف موقفها في سوريا جراء الثورة ضد نظام بشار الأسد، فضلاً عن أن العلاقة مع مصر ستفتح المجال واسعًا أمام روسيا للنفاذ إلى إفريقيا، وأن تحفظ مصالحها فى البحرين الأبيض والأحمر، إلى جانب المحيط الهندي، مع عدم إغفال الدور الذي تلعبه موسكو في التوصل إلى صياغة تفاهم «أمريكي إيراني» يقضي بتخفيض متزامن في المشروع النووي الإيراني والحصار الاقتصادي الغربي ضد طهران، وهذا ما دعاها إلى اقتناص فرصة التعاون من جديد مع مصر - والتي قد لا تتكرر مرة أخرى في أي مدى منظور - التي تمثل لروسيا من ناحية استراتيجية فرصة لأن تقف على أرض ثابتة في منطقة متقلبة بصراعاتها، بما يؤكد دورها العالمي ويوازن واشنطن اللاعب الأساسي الدولي فيها. كيف ستتصرف أمريكا حيال هذا الأمر؟ في بادئ الأمر، كان موقف الولاياتالمتحدة حيال هذا التعاون مجرد استهتار من واشنطن؛ لقناعة الإدارة الأمريكية بأن مصر لن تجرؤ على مثل هذه الخطوة في ظل أوضاعها السياسية والاقتصادية الحالية، لكنها أدركت مؤخرًا أن القاهرة قررت خرق قواعد لعبة تحديد المصير في «البيت الأبيض»، وعلى الفور قررت العمل على إنقاذ ما يمكن إنقاذه ووقف نزيف العلاقات مع مصر، ومحاولة منعها من المضي قدمًا في تفاهماتها السياسية والعسكرية مع روسيا. الولاياتالمتحدة والثورة المصرية نجد أن إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، تريثت قبل أن تتخذ قرارها بوقف جزء من الدعم المالي العسكري للقاهرة، في أعقاب انتفاضة الشعب المصري ضد النظام الحاكم، ثم أكدت استمرار هذا الدعم، بعد أن ترددت في إعلان موقف صريح من أحداث 30 يونيو في مصر، وذهب أوباما لتأكيد دعمه لاستمرارية تدفق المعونة الأمريكية، بصرف النظر عن مطالبة سياسيين مقربين من شركات الأسلحة، مثل جون ماكين، بوقفها على الفور تعبيرًا عن احتجاج أمريكي لوقوف الجيش المصري إلى جانب ملايين الشعب المنتفضة. لماذا لم توقف أمريكا دعمها لمصر؟ لقد تأكدت الولاياتالمتحدة أن مصالحها ستتعرض للتهديد إن توقفت المساعدات الأمريكية لمصر، وهذا ما أوضحه الناطق باسم البيت الأبيض جاي كارني، بقوله: «نعتقد أنه ليس من مصلحة الولاياتالمتحدة الإقدام على تغيير برامج الدعم في هذه المرحلة.. إذ نعتقد أن ذلك الإجراء لا يصب في خدمة مصالحنا بالشكل الأفضل»، ولكن ما لم يقله «كارني» هو أن وقف الدعم سيرافقه تراجع كبير للنفوذ والتأثير الأمريكي على مصر، فضلاً عن أن الدعم يُعد رشوة لإبقاء معاهدة السلام «البارد» حيَّة مع الجانب الإسرائيلي.
وعلى مدار الثلاثة عقود الماضية، قدمت واشنطن لمصر ما يزيد عن 40 مليار دولار في شكل مساعدات عسكرية، وذلك من خلال برنامج مساعدات يشكل اليوم ما مجموعه 80% من ميزانية المشتريات العسكرية السنوية للبلاد. وبرنامج التمويل العسكري الخارجي التابع لوزارة الخارجية الأمريكية الخاص بمصر يعتبر ثاني أكبر برنامج من هذا النوع على مستوى العالم؛ بحيث تتلقى مصر 1.3 مليار دولار كل عام في إطار برنامج يسمح لها بشراء المعدات العسكرية التي تنتجها واشنطن، فضلاً عن المساعدات التقنية بالتنسيق مع وزارتي الخارجية والدفاع، وفي مكتب التعاون العسكري بالسفارة الأمريكية في القاهرة، يعمل مسؤولون أمريكيون جنبًا إلى جنب مع نظرائهم المصريين لتحديد أولويات الشراء، وكذلك العمل على إخراج المعدات السوفيتية القديمة من الخدمة تدريجيًا وتحسين قدرات العمل المشترك مع القوات الأمريكية. سلبيات التسلح من أمريكا هناك التزام أمريكي بالتفوق الإسرائيلي العسكري النوعي في منطقة الشرق الأوسط، لذا فإن واشنطن تجري في بعض الأحيان تعديلاً على بعض الأنظمة أو تمنع توريدها إلى مصر للحفاظ على التفوق الإسرائيلي، فعلى سبيل المثال، أفادت بعض التقارير أن صفقة عام 2013 الخاصة ببيع 90 صاروخ «كروز» مضاد للسفن لمصر من طراز «هاربون 2» قد تم تأجيلها لمدة خمس سنوات؛ بسبب مخاوف من أن قدرات الهجوم الأرضي التي أظهرتها هذه الصواريخ من شأنها أن تغير من التوازن العسكري بين القاهرة وتل أبيب، ولتخفيف هذه المخاوف، تم تخفيض قدرات هذه الصواريخ المباعة لمصر بشكل واضح. ما الضرر العائد على أمريكا حال امتناعها عن تقديم الدعم المالي العسكري لمصر؟ إذا تم إلغاء العقود التي جرى إبرامها مع مصر بالكُلية، سيتم دفع تكاليف هذا الإلغاء المستحقة على الشركات الأمريكية من برنامج التمويل العسكري الخارجي؛ لأن واشنطن لن تستطيع أن تسدد هذه التكاليف للشركات والمتعهدين من الأموال الموجودة في بنك الاحتياطي الفيدرالي، كما أنها لن تستطيع استئناف العقود والاستحواذ على المعدات المباعة لمصر أو حتى إعادة بيعها إلى غيرها من الدول، حيث إن هذه الخيارات ليست هي الأمثل؛ لأن بعض هذه المعدات قد تبدو أقل جذبًا بالنسبة لتلك البلدان الأقدر على دفع فاتورتها، فعلى سبيل المثال، لم يتم تجهيز طائرات «إف 16» المصرية بصواريخ «جو – جو» متوسطة المدى متقدمة من طراز «AIM-120» ولكن تم تزويدها بقدرات أقل وذلك بصواريخ من طراز «AIM-7».
كما أن ذلك مثلما يضر بالعلاقات «العسكرية - العسكرية» بين واشنطنوالقاهرة، من شأنه أن يعمل أيضًا على تقويض العلاقات مع الحكومة المدنية، وبالتالي يؤدي إلى مزيد من التآكل لمكانة واشنطن المتدنية بالفعل لدى الشعب المصري، وربما يؤدي ذلك أيضًا إلى علاقات أمريكية هشة مع السعودية التي دعمت علانية انتفاضة 30 يونيو في مصر، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الرياض والإمارات والكويت قد تسد الفجوة الناجمة عن قطع المساعدات الأمريكية؛ مما يمكّن القاهرة من الاستمرار في تمويل المشتريات العسكرية. أضف إلى ذلك، أنه من الممكن أن يقوم الجيش المصري بنفسه بتمويل مشترياته العسكرية في ضوء أنه أقرض البنك المركزي مليار دولار في ديسمبر عام 2011، والأسوأ من ذلك في نظر الإدارة الأمريكية، هو أن ما تردد من أنباء عن قطع المساعدات قد يشجع جماعة الإخوان ويقوي من عزمها على التصدي للقوات المسلحة؛ مما سيساهم في مزيد من عدم الاستقرار في البلاد، وهذا ما لا تحبه واشنطن. وبدلاً من ذلك، قد تحاول الصينوروسيا تعظيم الاستفادة من هذا التعليق بحلولهما محل أمريكا في تمويل المشتريات المصرية لأنظمة خاصة بهما. ويدرك الرئيس الأمريكي باراك أوباما وإدارته، جيدًا أن قطع المساعدات قد يجعل أيضًا أهداف بلادهم الاستراتيجية الرئيسية في مصر في خطر، بما فيها التعاون في مجال مكافحة الإرهاب، وأولوية المرور عبر قناة السويس فيما يتعلق بالسفن الحربية الأمريكية، والطلعات الجوية العسكرية الأمريكية غير المقيدة نسبيًا، فبين عامي 2001، و2005، قامت طائرات عسكرية أمريكية بما يزيد عن 35 ألف طلعة في المجال الجوي المصري، مع ملاحظة أن ذلك كان يتم غالبًا بعد الإخطار بفترة وجيزة، في الوقت الذي قامت فيه السفن العسكرية الأمريكية بما يقرب من 900 مرور مستعجل عبر قناة السويس، مع عدم إغفال أن دعم القوات المسلحة لمعاهدة السلام «البارد» والتنسيق «الإسرائيلي - المصري» بشأن الوضع الأمني في سيناء الذي دعمته اتفاقية «كامب ديفيد» قد يتأثر أيضًا. وبهذا فلن يكون أمام الولاياتالمتحدة - مستقبلاً - سوى القليل من الخيارات السائغة لتقويم مساعداتها المالية العسكرية المقدمة لمصر، أما اليوم فلا سبيل أمامها سوى الاستمرار في تقديم الدعم لمصر. العلاقة المصرية الأمريكية «نفعية» لم تترك السنوات الثلاث الماضية مصر مكبلةً بمشاكل محلية وضائقة اقتصادية فحسب، بل أسفرت أيضًا عن زيادة التدهور في العلاقات الثنائية بين القاهرةوواشنطن، ورغم أن المسؤولين الأمريكيين يواصلون وصف العلاقات مع مصر بأنها «استراتيجية»، إلا أنها في الواقع أصبحت علاقات «نفعية»، يتبادل فيها الطرفان احتياجاتهما الضرورية؛ فالولاياتالمتحدة بحاجة إلى علاقات «إسرائيلية - مصرية» مستقرة وتعاونية ومرور تفضيلي عبر قناة السويس، بينما تحتاج مصر إلى المعدات العسكرية والاعتراف الدولي. مصر لها اليد العليا وللمفارقة فإن مصر تمتلك اليد العليا في هذه العلاقة بالرغم من مشاكلها، ويرجع ذلك أساسًا لأنها القاهرة يمكنها اللجوء إلى أطراف أخرى لتلبية احتياجاتها على المدى القصير - روسيا لإمدادها بالمعدات العسكرية، ودول الخليج العربي للحصول على مساعدات، والمجتمع الدولي لنيل الاعتراف، وفي المقابل، ليس لدى واشنطن بديل جغرافي سياسي عن مصر. التطلع للمستقبل إن استمرار هذا النهج يبدو قصير النظر لكل من الولاياتالمتحدة ومصر؛ حيث إن الاعتماد العسكري على موسكو أو بكين والاعتماد المالي على الجهات المانحة من دول الخليج - أو أي جهة مانحة في هذا الصدد - على المدى الطويل، سيعرقل عجلة التنمية في مصر بدلاً من أن يدفعها إلى الأمام. وبالنسبة لواشنطن، فإن إعادة النظر في سياسة الولاياتالمتحدة في التعامل مع كل تحول يجري في مصر يبدو أمرًا مرهقًا ويأتي بنتائج عكسية، ولن يؤدي ذلك إلى تنفير المصريين فقط بل سيمتد الأمر لحلفاء آخرين يزعجهم التقلب الأمريكي، فنجاح مصر كحليف مستقر ومزدهر أمر يصب بوضوح في صالح الولاياتالمتحدة مما يضفي أهمية على إيجاد الأدوات التي تمكن أمريكا من أن يكون لها تأثير على مسار البلاد. عالم القطب الواحد إن العالم الآن في طور إعادة التشكيل بعد عالم «القطب الواحد» منذ بداية التسعينيات، وفي هذا العالم الجديد متعدد الأقطاب، يكون الرهان على طرف دولي واحد «رهان خاسر». وأي بلد له في علاقاته الدولية حدّان؛ الأول هو التحالف الكامل، والثاني هو القطيعة الكاملة، وما بين هذين الحدين هناك مساحة واسعة للغاية، وهذا ما تعمل القاهرة على استغلاله بتقاربها مع موسكو بهدف كسر احتكار السلاح الأمريكي ولغة العجرفة التي تستخدمها في الشأن المصري، مع عدم الدخول في صِدام مع واشنطن وخوض حرب تكسير عظم ضدها؛ أي أن روسيا لن تحل محل أمريكا، ولكنها ستساعد في انحسار دور الولاياتالمتحدة في العالم وفي منطقة الشرق الأوسط تحديدًا، ومصر بصفة خاصة.