لا تزال زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى روسيا تشغل الأوساط السياسية والاقتصادية، إذ أثمرت المحادثات بين الطرفين المصري والروسي عن على إنشاء منطقة صناعية روسية في مصر، كجزء من مشروع قناة السويس الجديد، من شأنها أن تؤدي إلى زيادة الدخل القومي الإجمالي المصري إلى ما بين 5٪ إلى 8٪. وتوقع الخبراء الاقتصاديون تعليقا على نتائج المحادثات بين الرئيسين المصري عبد الفتاح السيسي والروسي فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية أن إنشاء منطقة صناعية روسية في مصر سيعمل على خلق فرص عمل جديدة للمصريين، وزيادة دخل الفرد في مصر، ويساهم في ترويج المنتجات المصرية في الأسواق العالمية. وستكون المنطقة الصناعية الروسية جزءا من مشروع "محور قناة السويس" الذي يهدف إلي شق قناة جديدة موازية للقناة الحالية بطول 72 كيلومترا، والذي أطلقه الرئيس السيسي في 5 أغسطس الحالي وتقدر تكلفته بحوالي 8 مليار و500 مليون دولار. الرئيسان المصري والروسي ناقشا مخططات استراتيجية أخرى كإمكانية إبرام اتفاق بين مصر والاتحاد الجمركي الذي يضم كلا من روسيا وبيلاروس وكازاخستان، ما يمكنه أن يسهم في زيادة حجم التبادل التجاري. وناقشا الجانبان أيضا إمكانية زيادة صادرات الحبوب الروسية إلى مصر لتبلغ على الأقل 5 - 5.5 مليون طن في العام الحالي. هذه المحاور الاقتصادية الهامة تقدمت نتائج اللقاء، بينما كان الحديث عن الأسلحة عابرا. ولم يتطرق الرئيسان إلى تفاصيل حول موضوع التسليح الذي يشغل أطرافا كثيرة إقليمية ودولية. غير أن وسائل الرعلام الغربية كانت حذرة للغاية في تناول موضوع التعاون العسكري بين مصر وروسيا. وربما كان موقع Washington FreeBeacon الإخباري الأمريكي هو الوحيد الذي تحدث عن الرئيس المصري قدم طلب أسلحة خلال لقائه بالرئيس الروسي، تشمل طائرات مقاتلة متطورة وصواريخ مضادة للدبابات (مقاتلات "ميج 29" ومروحيات "كا 25" و"مي-28" ومروحيات شحن وصواريخ مضادة للدبابات). وطبقا للموقع فإن مصر قدمت طلب شراء أسلحة إلى روسيا بعدما قررت الحكومة السعودية قبل أشهر تقديم مبلغ 2 مليار دولار لمصر لتمويل شراء أسلحة روسية الصنع. وفسر الموقع هذا الخبر بأنه "يدل على ابتعاد الحكومة المصرية عن واشنطن. ومع ذلك لم تعلن المصادر الرسمية لدى الطرفين المصري والروسي عن تقدم الرئيس السيسي بأي طلب أثناء لقائه بالرئيس بوتين الذي أشار أثناء المؤتمر الصحفي إلى تطور التعاون العسكري الفني بين البلدين، وأنه تم التوقيع في مارس الماضي على البروتوكولات المناسبة في هذا المجال، ويجري توريد الأسلحة الروسية إلى مصر. كما أشار إلى أنه تم الاتفاق على زيادة هذا التعاون. ومع ذلك، فالطرفان المصري والروسي لا ينفيان عقد صفقات أسلحة، ما يعني أن الطرفين جادان في إرساء علاقات التعاون العسكري – التقني وبشكل حذر حتى لا تتعرض لهزات مفاجئة من أطراف أخرى. وأجمعت الأوساط الدبلوماسية والسياسية الروسية على أن زيارة الرئيس السيسي ليست مجرد زيارة عابرة، وإنما بداية تدشين مرحلة جدية على طريق التعاون الاستراتيجي، وخاصة في الظروف التي يتعرض لها البلدان، ما يحتم عليهما إيجاد كل الصيغ المناسبة لتطوير التعاون على كافة المتجهات، وفي مركزها التعاون العسكري التقني. وشددوا على أن الأرضية الحقيقية للتعاون الاستراتيجي بين القاهرةوموسكو تتمحور حول إرساء أرضية اقتصادية تسمح للطرفين بالحركة الحرة تجاه بعضهما البعض. وعلى الرغم من الارتياح العام لدى كل من القاهرةوموسكو لنتائج الزيارة، إلا أن الولاياتالمتحدة أبدت انزعاجها نسبيا، حيث قالت نائبة المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية ماري هارف إن مصر لديها الحرية الكاملة في إقامة علاقات مع أي جهة تريدها. مشددة على أن الولاياتالمتحدة لديها علاقات استراتيجية قوية مع مصر. وعلى الرغم من هذه "المغازلة" السياسية الواضحة، لم تتخل هارف عن أساليب "العصا والجزرة" الأمريكية، إذ تطرقت مباشرة إلى التقرير الصادر عن منظمة "هيومان رايتس ووتش" عن أحداث فض ميداني رابعة العدوية والنهضة في 14 أغسطس 2013، مشيرة إلى أن الإدارة الأمريكية تقوم حاليا بمراجعة التقرير لبحث الوقائع المذكورة فيه، وأن رد الفعل الأمريكي المبدئي هو الشعور بالانزعاج، حسب تعبيرها. وفي الوقت الذي تبدي فيه واشنطن انزعاجها، وممارسة كافة الأساليب القديمة في الضغوط على الشركاء وغير الشركاء، لم تهتم الأوساط الروسية كثيرا بردود الفعل الأمريكي أو الغربية على زيارة الرئيس السيسي إلى روسيا. إذ اعتبر الكثيرون في موسكو أنها ترسخ المرتكزات الثابتة لمبدأ استقلالية السياسية الخارجية المصرية الذي يسعى الرئيس السيسي لتأكيده في ظل تدشين بداية مرحلة جديدة من تنويع الخيارات كمتجه في السياسة الخارجية المصرية. كما اعتبرتها أوساط سياسية ودبلوماسية زيارة مهمة في ظل الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية، والعالم كله. وأعربت شخصيات دبلوماسية عن أملها بأن لا تكون هذه الخطوات الجادة بين القاهرةوموسكو مجرد رد فعل علي السياسات الأمريكية التي كانت تسعى لتدمير جيوش المنطقة وتسليمها إلى تيارات الإسلام السياسي.