هذا الأسبوع لن أكتب أي شيء محزن أو يشعرك بالحزن حين تقوم بقراءته.. فمثلا لن أكتب عن ابنتي خلود التي أنقذتها العناية الإلهية من موت محقق إثر حادث تصادم وانقلاب سيارة كانت تقلها وهي في طريقها لأكاديمية الثقافة والعلوم بمدينة 6 أكتوبر لأداء الامتحان.. وكيف أن المستشفي العام الوحيد بالمدينة لا يوجد به أي إمكانيات ولا أجهزة طبية تذكر، فقط مجرد غرف متواضعة سيئة وأسرة قديمة متهالكة وعدد من الأطباء لا حول لهم ولا قوة. لن أحكي عن الدماء التي سالت من رأس ابنتي وهي فاقدة الوعي ملقاة داخل السيارة ربع نقل التي انقلبت بها بعد أن كانت تقلها إلي الامتحان لأنها وسيلة النقل الأكثر انتشاراً في شوارع مدينة 6 أكتوبر، ولن أحكي كيف كدت أخر ساجداً أشكر الله علي سلامتها، أتلمس وأتحسس أطرافها وجسدها، أغسل وجهها بدموعي، دموع حبستها طويلاً وكثيراً من شدة الإهمال والظلم والفساد الذي ملأ هذا البلد، وإنني لأول مرة في حياتي أحس أنني علي استعداد أن أموت أنا من أجلها هي، بنفس البساطة التي كانت تتدفق بها كلمات الآهات والآلم من فمها.. فكلماتها علي عكس ما توقعت لم تكن تتحدث عن إصابتها أو أنها في لحظة بين الحياة والموت، وإنما كانت تتحدث عن محافظ 6 أكتوبر، عن عجزه وفشله وكثرة وعوده الكاذبة، عن تصريحاته المتكررة، عن كيف ترك هذه السيارات «الربع نقل» أو «المخصوص» كما نلقبها نحن سكان مدينة 6 أكتوبر وهي تتجول في شوارع المدينة ليلا ونهارا وكأنها تبحث عن ضحاياها. لن أتفوه بكلمة واحدة عن وصف حالتي النفسية السيئة وعجزي وحيرتي وحيرة الكثيرين من أولياء الأمور مثلي ونحن نضرب أخماساً في أسداس في كيفية الوصول إلي حل لمشكلة المواصلات الداخلية بالمدينة و تحقيق أمنياتنا بأن نعيش لليوم الذي تختفي فيه هذه السيارات القاتلة من شوارع المدينة ونطمئن علي حياة أولادنا وبناتنا وهم في طريقهم إلي مدارسهم ومعاهدهم وكلياتهم. بالطبع لن أصف لكم مشهد ابنتنا وهي علي النقالة في طريقها لسيارة الإسعاف، وكيف رحت أنا وأمها نخطو خلفها، بالكاد خرجت من أفواهنا كلمات تتعثر، لم نسمعها كلانا أو يسمعها أحد، فجأة وجدنا أنفسنا نحن الاثنان غارقين في الحمد والشكر لله، نسأله رضاءه ونذوب أملا في صفحه وكرمه وقدرته وجبروته، وفي حرارة رحنا ندعو: اللهم استجب ضراعتنا، وعاملنا بما أنت أهله ولا تعاملنا بما نحن أهله، اللهم صب جام سخطك ومقتك وغضبك علي الفساد والفاسدين والمفسدين والله لا أريد أن أكتب عن الحزن والإحباط ولا أريد أن أزيد أو أن أصيبكم بخيبة أمل وحالة حسرة علي حوادث المرور اليومية التي باتت تشهدها المواصلات الداخلية بمدينة 6 أكتوبر بسبب انتشار هذه السيارات المخصوص- القاتلة- وبصحبتها التوك توك، وكيف أن عشرات من الحالات مابين إصابات خطيرة ووفيات تستقبلها مستشفيات المدينة، وتلك الأمهات اللاتي تأتين إلي هذه المستشفيات تولولن وتصرخن ولا وسيلة أمامهن إلا الدعاء علي هذه الزمرة المجرمة التي قبضت علي خناق المدن الجديدة وتقاسمت مقدراتها وعاشت لنفسها تشخص إلي الثروة والنفوذ ولا تدفع تكلفتهما عملا محترما منتجا خلاقا وطنيا شريفا، فقط تربعت علي عروش المال والشهرة والسلطة من دون رؤية أو ضمير ينتصر للوطن وللبسطاء. ومهما كان الأمر من خطورة.. فللأسف الشديد لن يحدثكم أحد عن كيف ظلم هذا التشكيل العصابي بلادنا، وخربوا المدن الجديدة ودمروا فلسفتها وأهدافها النبيلة، واستعانوا بمستشارين جهلاء فاسدين لصوص ومنحرفين ومجرمين كي يرعوا فسادهم ويقتلوا أحلامنا وبناتنا وأولادنا. هؤلاء - للأسف- لقد سرقونا، وآذونا، واغتصبوا حقوقنا في السكن والصحة والسلامة والآمان، وأفقدونا الثقة في الوطن ونظام الحكم أمس واليوم وغداً. لقد قلت لكم في البداية لن أحدثكم عن الحزن والإحباط أو لن أنغص عليكم حياتكم.. ولكن ماذا أفعل ومحافظ 6 أكتوبر بعجزه وفشله وتجاربه السيئة السابقة في الجيزة والغربية يلاحقنا ولايدعنا يوماً نصدقه أو نتفاءل بقراراته وتصريحاته.. فكيف لا أحدثكم عن الحزن والخوف ونحن لا نعرف ماذا ينتظر الرئيس مبارك لكي يقيل هذا المغربي وزير الإسكان، الذي عممنا وألبسنا طرابيشه وراح يحول المدن الجديدة إلي مزاد دائم يبيع لنا أراضيها وكأنها عزبته الخاصة بالآلاف من الجنيهات ويشتري هو لنفسه وحاشيته وأهله أحسن وأفضل وأجمل المواقع بقروش قليلة ومجرد حفنة من الجنيهات. يا تري ماذا ينتظر الرئيس وقد أصبحت المدن الجديدة في ظل سياسات هذا الوزير رمزاً لكراهية الفقراء والبسطاء واحتقارهم؟!.. غلاء وإهمال وطبقية وسمسرة. يارب اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وحسبي الله لا إله إلا أنت توكلت عليك وفوضت أمري وأمر ابنتي إليك وأنت حسبي ونعم الوكيل رب العرش العظيم.