بعد طلاقين مزمنين، وإقامته في الشقة وحده، اعترف لي أن ميرنا هي سعدية. الأرقام الغريبة التي تظهر فجأة علي شاشة الموبايل في رنة واحدة أنقذته دوما من ظهيرات وليال رتيبة، مثلها مثل الرسائل الآمرة "كلمني شكرا" تلك الرسالة العبقرية، يحمل كل حرف فيها عبيراً أنثوياً، تماما كمن يمسك بالعصا ويعلق الجزرة علي مسافة من العينين، اعترف لي، في ليلة جاءت رنة، كانت نمرة عادية لاتميز بها مثل: 7359126 أمسك بالموبايل وراح يتأمل الرقم. كان علي يقين انه سيتصل حتي بأشد الأرقام بؤسا، فالأمر أفضل من البقاء مقيداً أمام التليفزيون، فضلا عن أنه مشترك في خاصية «فري تايم» بما يعني مكالمات مجانية من الثانية عشرة ليلاً حتي الثامنة صباحاً. تمدد فوق السرير وطلب الرقم بضغطة واحدة. سمع صوت الرنين طويلاً هو من توقع الرد من أول رنة ثم فتح الخط وسمع: - الو - ايوه - مين؟ - حضرتك نمرة موبايلك ظهرت عندي من شوية - لالا، أنا كنت برن علي أسماء - ماهو أنا أخو أسماء - وهي فين؟ - في التواليت - لما تخرج خليها تكلمني - أقولها مين؟ - هي لما تشوف النمرة هتعرف.. قول لها ميرنا هكذا تابع الصوت الرقيق معه مستجيباً لكل الحجج الواهية حول غياب أسماء الذي طال في التواليت عدة ليال. اعترف لي أن الصوت كان واعداً محملاًً بوقفات ومنحنيات وترددات عميقة متناغمة وأن هذه الأجهزة السحرية اخترعت لأجل المرأة تحديداً، بهمسها التليفوني يمكنها تثبيت الرجل وقيادته إلي حيث تريد، من اركيديا مول إلي سيتي ستارز حتي كارفور العبور وربما إلي الصحراء الكبري وهي في أمان تام حيث يمكنها إلغاء الشريحة واستبدالها بغيرها بنفس سهولة الضغط علي cancel. أكد لي أنه صار خبيراً في كل أنواع الرنات والمسدجات والأصوات وجميع الخلفيات الحقيقية والمصطنعة وجميع أنواع الاتصالات وما إذا كان الرقم المطلوب خطأ أم قصد منه أن يكون خطأ وأن في استطاعته تحديد العمر والطبقة والحالة الاجتماعية، بحيث يعرف ما اذا كان الصوت قادماً من المعادي أم من دمنهور بلهجة مصر الجديدة أم من الكرنك بلهجة الطبقة المتوسطة في الأفلام المصرية وما إذا كان الصوت لفتاة أم سيدة متزوجة وما إذا كانت علي السرير أم علي كنبة الصالون وما إذا كانت ستطلب كروت شحن أم لا. قال إنه يسمي كل واحدة باسم منطقتها مثلا سعاد شرقية، نوال أجا المنصورة، سوسن مدينة النهضة علي طريق الإسماعيلية الصحراوي، مني اللبان قسم الخليفة، قال: واخترت لي عدة أسماء منها محمود.. يوسف.. ومجدي وعمراً يتراوح مابين الثمانية والعشرين والأربعين. ووظائف تتراوح مابين مهندس كمبيوتر ومدرس ثانوي وصاحب مكتب استثمار عقاري. قال وهو يبتسم اتضح أن كل هذه الخبرات لاشيء مع قدوم سعدية. قال في البدء لم يكن اسمها سعدية كان اسمها ليلي وساكنة في الزيتون وطالبة بآداب عين شمس في السنة النهائية. اتصلت علي حسابها وسألت: ندا موجودة؟ قال: لا، خرجت وجاية بعد دقائق. سألته: حضرتك أخوها؟ قال لها ايوه. قالت: قل لها ليلي اتصلت. قال: حاضر. قال: كنت متيقنا أن الاتصال هو نداء من ليلي، انتظرت وقت الفري تايم واتصلت: ليلي؟ قالت: لا ميرنا مين حضرتك؟ أعترف لي: تحيرت لحظة فيما أقول أخو أسماء أم اخو ندا؟ وكيف تكون ليلي هي ميرنا؟ قلت لها بس ده مش تليفونك. قالت: ده تليفون سعدية جوزها ربنا يحرقه اتهمها بقضية زنا عشان ياخد الشقة والعيال وهي سايبة التليفون معايا. قال: صار صوت ميرنا ينتمي الي قسم الخليفة بلهجة إمبابة، تدريجيا راح الصوت يهبط إلي القاع.. مطاوي وبانجو ومية نار وصارت كل الخلفيات متداخلة بحيث يمكنك القول سعدية بصوت ميرنا علي خلفية إسطبل عنتر، اعترف لي بأسي أن الرنات المجهولة غير المأمونة تكاثرت في كل أوقات الليل والنهار، وأنه صار يشاهد التليفزيون كثيراً بعد أن اشترك في خدمة تجعل سيدة مهذبة تقول للمتصل: الهاتف الذي طلبته غير متاح حالياً.