البابا شنودة يدافع عن سلطته. والمشكلة ليست في إقناعه بالموافقة علي حكم المحكمة بمنح تصاريح الزواج الثاني. ولا شك في أن البابا فقد جزءاً كبيراً من أعصابه الهادئة، وانفعل خارج وقار منصبه الديني، وحرَّض أتباع كنيسته للامتناع عن تنفيذ القانون، ورفع الإنجيل في مواجهة القانون، وطالب الرئيس بالتدخل في أعمال القضاء. انفعالات البابا تأتي في إطار فوضي عمومية. السلطات التي ترسخت في مصر خلال عصر مبارك، معتمدة علي «مساحة» يمنحها النظام، وليست علي القانون فقط، تتعرض الآن لصدام مزعج، ليس بعيدا عن انفعال البابا، معركة «الرست» بين القضاة والمحامين بعد واقعة محكمة طنطا، ففي هذه المعركة مبالغة في استخدام القوة. المحامي صفع وكيل النيابة، بعد أن سمح وكيل النيابة لحرس المحكمة بإهانة المحامي. استخدام القوة المفرطة، واستعراضها حوَّل المشكلة التي تبدو عادية إلي «قضية». وهذا ماحدث بشكل مختلف في قضية الزواج الثاني. الكنيسة تعسفت في استخدام حق منع التصريح بالزواج الثاني، ضد الزوج المتضرر من ضرب زوجته. التعسف ظهر عندما اكتشف الزوج أن الكنيسة منحت زوجته التصريح ومنعته عنه (غالباً كنوع من الانتقام بسبب تفكيره في اللجوء للقضاء). البابا سلطة دينية علي رعاياه، لكن وجوده الإداري والسياسي يحدده قانون الدولة المدنية. والقاضي في المحكمة له سلطة شبه مطلقة، لكن ليس إلي حد استخدامها المفرط خارج حدود القانون. هذه هي الدائرة العبثية. أصحاب السلطة في عهد مبارك، يحصلون علي سلطتهم ليس بالقانون، لكن بقدراتهم الشخصية، وهذا ما يجعل البابا شنودة مصدوما في القرار، علي اعتبار أنه «مؤامرة» لا يعرف مصدرها ضد سلطته. وكذلك وكيل النيابة الذي سمح للحرس بانتهاك القانون، فانفجرت تراكمات مشحونة في العلاقة بين المحامين والقضاة. هذه الفوضي المرعبة تتوازي مع لحظة انتقالية، يريد فيها النظام أن يعبر عن قوته الخرافية، ليواجه القلق، وفي الوقت نفسه يبحث كل صاحب سلطة عن خطة لمواجهة حرب المواقع. هذه الفوضي لها جانب إيجابي لأنها تكشف عن الوجه القبيح لتواطؤ الجميع مع السلطة خارج القانون. وتكشف أيضا عن تأثير رغبة التغيير في محاولة إعادة وضع أسس جديدة لعلاقات القوي بالمجتمع في مصر، لأن مصر الدولة القديمة، القائمة علي القانون، لا يُحترم فيها القانون إلا وفق صفقات مع النظام. ستغمض السلطة عينيها عنك، وعن مخالفاتك للقانون، حتي تأتي اللحظة التي تغضب فيها عليك لسبب ما، فتطبق القانون، تطبيق القانون هنا سيصبح مؤامرة. كما ان حدود التنفيذ ترتبط بالقرب من السلطة. هذا أحد جوانب أزمة الزواج الثاني للأقباط. وهناك جانب آخر يتعلق بشجاعة غائبة، تخشي من طرح حل جذري للمشكلة، وهي الزواج المدني. من حق المؤسسات الدينية (إسلامية أو مسيحية) أن تفرض شروطها علي رعاياها، لكن إن اخترت أن أتزوج خارج شروط المؤسسة فهذا حقي تماما. الزواج المدني يعتمد علي قاعدة أساسية وهي أننا مواطنون لا رعايا. والمواطن من حقه الاختيار بين تنفيذ قوانين تجبره علي أن يكون رعية وأن يتعامل بشكل حر، ومعترف به قانونا. البابا من حقه أن يختصر أسباب التطليق في الزني، لكن ليس من حقه تعطيل حياة أكثر من 80 ألف شخص (حسب حدود معلوماتي)، لأنه يجبرهم علي حياة تعيسة، والدولة تشاركه في التعسف بتعطيلها قانون الزواج المدني. ليس الحل في إصدار أحكام قضائية تتمحك في سلطة الكنيسة، ولكن في تغيير موقع الشخص العادي، بدلا من أن يكون أسير مؤسسته الدينية، يذهب إيليها باختياره.. وهذه اساسيات المواطنة التي لا تري دين المواطن ولكن تتعامل مع حقوقه وواجباته.. أما حق الله فهذه حرية شخصية لا يجوز للدولة أن تتدخل فيها.