رغم الجهود التى بذلها وزير الخارجية الأمريكى جون كيرى فى محاولة إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين والكيان الصهيونى، فإن العملية منذ البداية كانت محكومة بالفشل!! كان الرئيس الأمريكى أوباما ينتقل فى سياسة الخارجية من فشل إلى آخر. ثم كان أن أراد دخول التاريخ باعتباره صانع السلام فى الشرق الأوسط، إذا نجح فى التوصل إلى حل للقضية الفلسطينية!! لكن الحقيقة أنه -فى ظل الظروف السائدة- كان يسعى إلى «تصفية» القضية لا حلها!! فالتحرك الأمريكى كان يتم فى ظل أضعف وضع يمر به الفلسطينيون والعرب، وفى ظل الفوضى التى ضربت دول الربيع العربى، وفى ظل «النجاح» الذى كانت واشنطن قد حققته بتمكين «الإخوان» من حكم مصر، ودعمهم للوصول إلى السيطرة على أكبر عدد من دول المنطقة. وفى ظل دخول سوريا مرحلة التدمير الشامل لتلحق بليبيا والعراق. وفى ظل التآمر للحفاظ على الانقسام الفلسطينى بين غزة ورام الله، وفى ظل العمل الدؤوب لتحويل سيناء إلى ساحة للإرهاب وبدء الحديث -فى نفس الوقت- عن مشروع غزة الكبرى على حساب أرض مصر. كانت الساحة تعد جيدًا للتفاوض العبثى، وللحل الكارثى.. سوريا خرجت من المعادلة. ومصر على شفا حرب أهلية، ورئيسها «المعزول بعد ذلك» يخرج من عالم «على القدس رايحين شهداء بالملايين» ليصبح «الصديق الوفى» لإسرائيل، والرجل الذى يجرى «ترويجه» كضامن للسلام بين «حماس» وإسرائيل!! بينما مرشد الجماعة الإرهابية يتساءل: لماذا لا تكون هناك معسكرات للفلسطينيين فى سيناء؟! والإسرائيليون يخرجون الخرائط التى أعدوها من ثلاثين عامًا لضم جزء من سيناءلغزة كجزء من الحل الموعود.. أو التصفية المعدة للقضية الفلسطينية!! ولم تكن الأطراف الإقليمية بعيدة عن هذا المخطط.. كان أردوغان يجرى وراء وهم الخلافة، ويسير -فى نفس الوقت- وفق مخططات حلف «الناتو» وتعليمات واشنطن. وكانت إيران تستعد للدخول فى الصفقة الجديدة مع الأمريكان على حساب العرب، ومع تأكيد سطوتها فى العراق المنكوب وتهديدها لدول الخليج العربى!! لم تكن المخاطر غائبة عن السلطة الفلسطينية وهى تجد نفسها مضطرة إلى الدخول فى التفاوض فى هذه الأوضاع الصعبة، أو مواجهة العداء الأمريكى الذى كان مستعدًّا فى هذه المرحلة لفعل أى شىء فى ساحة عربية تصور أنه يضع خريطتها الجديدة بلا مقاومة تذكر!! ولم تكن الأوضاع أفضل بالنسبة لإسرائيل طوال تاريخها كما كانت فى هذا الوقت. حيث غاب الخطر، وجرى تدمير كل عناصر القوة العسكرية العربية ما عدا جيش مصر، الذى كان يعيد بناء الثقة بعد فترة انتقالية سيئة أعقبت ثورة يناير، وبعد أن وجد نفسه فى وجه تحالف يجمع رئيس الجمهورية مع فصائل الإرهاب مع ضغوط دولية وإقليمية لزرع الإرهاب فى سيناء تمهيدًا لفصلها عن الوطن الأم. ومن هنا كانت تل أبيب مستعدة لفرض شروطها ولتنفيذ مشروع تصفية القضية الفلسطينية برعاية أمريكا وبخيانة الإخوان وباقى العملاء فى المنطقة. لكن ما حدث فى مصر فى 30 يونيو قلب الأوضاع رأسًا على عقب. سقط حكم الإخوان الفاشى وسقطت معه المؤامرة على الأمة العربية بكل مكوناتها. انفضحت أدوار تركيا وقطر. وقفت أمريكا تحاول إنقاذ مخططاتها فإذا بها تقف فى معسكر واحد مع «إخوان الإرهاب»، ومع حلفائهم من «القاعدة» وتفرعاتها. بينما كانت دول الخليج العربى بقيادة السعودية والإمارات تدرك أبعاد المؤامرة، وتقف بكل إمكانياتها لدعم مصر. كانت واشنطن تكشف كل أوراقها وهى تمنع السلاح عن جيش مصر وهو يخوض معركة استئصال الإرهاب الذى أصبح فجأة تحت الرعاية الأمريكية!! مع هذه الأوضاع الجديدة لم يعد ممكنًا المضى فى مخطط أوباما لتصفية القضية الفلسطينية، ولم يعد ممكنا الرهان على إقامة إمارة إسلامية لتبرير يهودية الكيان الصهيونى، ولم يعد المفاوض الفلسطينى أسير ضعف الموقف العربى ولا تآمر الأطراف الدولية والإقليمية. ولم يعد أمام واشنطن إلا السعى لخروج مشرف أو الرهان على حل مؤقت يمنع مسلسل الفشل الدائم، الذى أصبح علامة مسجلة لأوباما وإدارته ومخططاتها فى المنطقة والعالم. الآن يخرج الرئيس أبو مازن لتفعيل قرار قبول فلسطين دولة مراقبة فى الأممالمتحدة. يتقدم «رغم المعارضة الأمريكية والجنون الإسرائيلى» لعضوية عدد من المنظمات الدولية، يتصدى للضغوط من أجل مواصلة التفاوض العبثى. يصمد أمام حصار إسرائيل ومنعها المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية. سيكون عارًا أن لا توفر له الدول العربية كل الدعم المالى والسياسى لمواجهة الضغوط. وستكون خيانة أن يستمر الرهان على الانقسام الفلسطينى بعد افتضاح المؤامرة وانكشاف أدوار كل الأطراف. وبعد أن رأينا «الأشاوس» الذين يدعون الجهاد، والذين صدعوا رؤوسنا على مدى السنين بأنهم «على القدس رايحين».. يقدمون الضمانات ل«الصديق الوفى» الإسرائيلى، ويطلقون رصاصات الغدر والخيانة على صدور أبناء مصر، انتقامًا من سقوط حكم الإهاب ومن انكشاف المؤامرة التى كانت تربط بين سقوط مصر وانهيار العرب وتصفية القضية الفلسطينية. ستواجه فلسطين «كما مصر» أوقاتًا صعبة، لكن المؤامرة التى كانت ستمضى فى طريقها قبل عام واحد قد سقطت.. ولا عزاء لإدارة أوباما أو إسرائيل أو إخوان الإرهاب الذين يحررون القدس.. فى دكرنس!!