عندما أرى العالم المتقدم يتنافس بكل الطرق لكى يخطو خطوة للأمام وأرى العالم العربى والإسلامى يتنافس وبشدة لكى يخطو خطوات إلى الخلف .. أشعر أن الأمة العربية والإسلامية ربما ضاعت بوصلتها وفقدت الطريق إلى الأبد .. لا يمر علينا إسبوع واحد تقريبا إلا ويسقط لدينا ضحايا من الشرطة والجيش والمواطنين الأبرياء ولا نجد عن ذلك فى كل وسائل الإعلام إلا خبرا عاديا سواء فى الصحافة أو قنوات التليفزيون المتعددة وربما ترى مشهد الجنازة ..
وربما ترى أحد المذيعين أو إحدى المذيعات تبكى من التأثر بالحدث ثم تستمر الأشياء عادية وفى نفس اللحظة وخير المثال على ذلك أن ترى محمود سعد يتحدث بتأثر شديد عن رائد الشرطة الذى إغتالته يد الغدر فى نقطة مرور .. ثم مباشرة يتحول مبتسما وقائلا دعونا ننسى الحزن ونتحدث عن جواز محمد منير .. وأنا أعتبر أن هذه هى الصورة العادية عن خبر إستشهاد جندى أو ضابط أو مواطن ثم الإنتقال إلى أجندة الأخبار أو سياق البرنامج أيا كان هذا السياق.
ولكن العجب كل العجب أن تظل القنوات تخصص الساعات وتعقد الندوات وتظل الصحف تفرد الصفحات .. ويظل القائمون على السينما والثقافة يعقدون الإجتماعات .. وتصل الأمورإلى رئيس وزراء مصر الذى يصدر القرار ثم يعقد إجتماعا مع أهل الفن والثقافة والإعلام لمناقشة موضوع إيقاف عرض فيلم حلاوة روح .. وأنا هنا لن أتحدث عن الفيلم لأن الأمر لا يستحق كل ما حدث .. وأنا لست متخصص فى هذا الأمر وأيضا أنا لم أشاهد الفيلم ولكنى سأتناول بعض النقاط التى شابت هذا الموضوع وكانت محل نقاش وصخب بسببه.
واقعة الإغتصاب التى تحدثوا عنها .. هى أمر عادى تناولته الأفلام منذ زمن بعيد وإذا كان الإغتصاب مرتبط بالسياق الدرامى فلابد من تقديمه وبصورة تحقق وضع الإغتصاب بشكله المقزز وليس بشكل يحقق الإثارة .. وأذكر أنه فى الستينات كان هناك فيلم "العسكرى الأزرق" أو قيل عنه كذلك وكانت قصة الفيلم تحكى عن ما فعله الجنود الأمريكيون فى حرب فايتنام والمشهد بإختصار يوضح جندى أمريكى يعرى إمرأة فايتناميه من ملابسها تماما ويرفعها بين يديه مضمومة الساقين إلى الصدر حتى يجعلها فى متناول جندى آخر لكى يغتصبها .. والمنظر جعلنا نشعر بالغثيان والضيق ولم تكن هناك فرصة للمشاهدة المثيرة بل كان الأمر يجعلك حانقا على الجنود الأمريكان ومتعاطفا مع أهل فايتنام.. إذن الإغتصاب فى السينما ليس بالأمر الجديد شريطة أن يكون فى السياق وبشكل يحقق وضع الإغتصاب وليس وضع الإثارة.
الأمر الآخر وهو إستغلال الأطفال وعدم إحترام آدمية الطفل وهو الأمر الذى حدا بالمسؤلة عن الأمومة والطفولة والمجلس القومى للمرأة أن يكتبوا تقريرا لرئيس الوزراء عن إستغلال الطفل فى الفيلم .. وأن الدستور يمنع إستغلال الأطفال .. وأتساءل هل الدستور الجديد لم ينص على حقوق الطفل فأين هى .. وهل الدستور الجديد لم ينص على حق المواطن المصرى فى العمل .. فأين هى فرص العمل الآن والبطالة وصلت 13 فى المائة .. والدستور الجديد ينص على حق المواطن المصرى فى حياة كريمة فأين هى وبعض الناس تأكل من القمامة ، والدستور الجديد ينص على حق المصريين فى مياه نظيفة وبيئة نظيفة فهل تحقق ذلك الآن .. وهل هذا هو الوقت المناسب والدولة فى تلك الظروف.
هل رأت مسؤلة الطفل هذه الأطفال تحت كوبرى رمسيس وهل رأت الأطفال يتسولون فى الشوارع وإشارات المرور تحت إشراف عصابات معروفة فى كل مكان .. وهل سمعت مسؤلة الطفل عن كيف يستغل أطفال الملاجئ فتيات وفتيان .. وهل رأت الأطفال يبيعون المناديل فى إشارات المرور .. ويبيعون المخدرات لحساب المعلمين الكبار .. وأنا لا أقول أنها مسؤلة أو مفروض أن تمنع كل ذلك ولكنى أسألها لماذا لم تتحدث عن كل ذلك وهبت بهذه الصورة لكى تتحدث عن إستغلال طفل حلاوة روح ... يا سلام.
أيضا إلى الذين يتحدثون عن أن الفيلم يمثل صورة مزرية لمصر والعرض السيئ لمصر من خلال الفيلم لكل هؤلاء أقول ألم تشاهدوا فيلم الطريق المسدود لإحسان عبد القدوس عندما كانت الأسرة كلها تحتسى الخمر وتمارس الجنس من أجل الباشا وإبن الباشا وكانت فاتن حمامة هى العنصر الصالح وظل المجتمع يطاردها حتى عندما غادرت القاهرة إلى مدرسة فى الريف طاردها توفيق الدقن رحمه الله بالمشاكل حتى تسلم وعندما أرادت أن تسلم لأحمد مظهر كانت مثل لوح ثلج لأنها من داخلها لا تريد ، فالخطيئة لا تولد بنفسها ولكن المجتمع هو الذى يولد الخطيئة .. هذه كانت محصلة الفيلم.
هناك من قال أن الشباب عندما يرى صورة سيئة يقلدها كما حدث فى تسريحة شعر أحمد ذكى فى فيلم كابوريا ونقول لهؤلاء هل حقيقة أنكم لا تعرفون أن أفلام الجنس الأزرق أو الأسود تنتشر وبشكل مجانى أو بالفلوس على شبكة الإنترنت منذ سنوات مضت وأن الشباب والكبار منهم الكثيرون يرون هذه الأفلام .. وهناك من قال أن مثل هذه الأفلام يشجع على التحرش الذى نعانى منه .. وأقول لهؤلاء قلة فرص العمل واليأس من الزواج هو ما يدفع الشباب والشابات إلى أكثر من التحرش .. نريد فرص عمل .. نريد مساكن .. هذا ما يخلق فرص الزواج ومنع التحرش ومشاهدة أفلام الجنس .. لقد كان عمر بن عبد العزيز يزوج الشباب من بيت المال لمنع ذلك.
أرأيت عزيزى القارئ أننا دائما نتقدم للخلف ونخصص الوقت والصفحات لمناقشة تافه الأمور .. رأيت أكثر من صفحة فى الجرائد تناقش الموضوع ولأيام ورأيت أكثر من قناة تناقش الموضوع فى ساعات .. ورأيت آثار الحكيم .. التى عملت ممثلة جيدة ثم معتزلة ثم عودة للتمثيل ثم الشيخة آثار الحكيم وهى تناصر أبو الفتوح فى إنتخابات الرئاسة .. ثم رأيتها تحاول العودة للمشهد وهى تصافح رئيس الوزراء بيد وترفع سبابة اليد الآخرى وكأنما هى تحذره من شئ وعلى وجهها إبتسامة.
هل الأمر يستحق كل هذا أم أنها البقرة التى وقعت أم أننا قوم لا نهتم إلا بتافه الأمور .. أم أن كل من كتب أراد الشهرة أو له غرض.
لماذا لم نتحدث عن الكهرباء وبشكل علمى وعن البدائل التى تحل بشكل عملى .. لماذا لم نتحدث عن ما نريد فى التعليم الذى هو أساس كل تقدم .. لماذا لا نتحدث عن ما نريده فى الزراعة وبشكل علمى حتى نحققه مع الرئيس المنتخب ولماذا لم نتحدث عن الصناعة وبشكل علمى .. عن ما نريده بعد إنتخاب الرئيس والدستور .. لماذا لم نفرد الصفحات عن ما نريده فى الصحة.
ألم أقل لكم نحن نكذب على أنفسنا وننافق ونتقدم للخلف وبمعدل غير مسبوق ..لماذا لم يتحدث أحد عن مهندسين ومحاسبين وخريجى جامعات هم من التفاهه حتى أنهم يسيرون خلف جاهل يدعى المعرفة بالدين ويسمعون له حتى تصل الأمور إلى أن يقتل أخاه المسلم وأخاه المؤمن .. لماذا نحن نتنافس فيما يؤخر ولا يقدم .. نتنافس فيما لا يفيد .. نحصر كل الحياة فى أشياء ضيقة لا تحث على التقدم .. كل هذا بسبب التعليم السيئ والأسرة الجاهلة .. وأصحاب المصالح الذين يستغلون جهل وسطحية وفراغ الشباب .. يا أهل الفن والإعلام كونوا صادقين مع أنفسكم لأن الله سيحاسبكم والشعب يعرف الخبيث من الطيب حتى لو إنساق وراء الخبيث.
إلى المشير السيسى .. أنت رئيسنا القادم بإذن الله ولكن نريد حملة قوية تخاطب كل الناس بلغة كل الناس .. تتحدث عن الأمل والأمن والتعليم والصحة والإقتصاد والزراعة والصناعة وفرص العمل .. تظهر فيها بشكل آمن ومؤثر كلما كان ذلك ممكنا .. هذا قدرك ونحن إن شاء الله من ورائك .. عليك أن تعطى القدوة الصالحة وتختار معاونين صالحين ولك علينا كل الطاعة والله الموفق.