يصنف على أنه أول كتاب يؤرخ لأدب السجون في العصر الحديث؛ فجمع بين دفتيه قصائد التيارات الإسلامية المتطرفة من شعر ونثر داخل السجون على مدار أكثر من أربعين عاماً ويزيد، بل وتعدى ذلك لقطع أدبيه آخري مثل القصة القصير وغيرها من الأشكال الأدبية التي ساعدت أصحابها على أن ينتجوا قيمة أدبيه بعيداً عن الأفكار التي دعوا فيها صراحة لاستخدام العنف أو تغزلوا من خلالها فيمن يستخدمونه، أفكار كانت تخص أصحابها وكنت بمثابة لهيب الكلمات الذي سبق عنفهم ولهيب لظاهم الذي اكتوت منه الدولة على مدار عقود أربعة. كلمات خلف القضبان..سهام الجهاديين أم روضة الزنازين، كتاب جديد للكاتب الصحفي، منير أديب، المتخصص في شئون الحركات الإسلامية، يجمع من خلاله تاريخ هذه التيارات ولكن من خلال ما دونه من أدب سواء الأحياء منهم أو من قتلوا في معاركهم مع الشرطة، أو من خلال أقاربهم أو من لازموهم في زنازين العتمة بمختلف السجون المصرية، فالكتاب يعد قرأه جديدة ومختلفة لهؤلاء «الجهاديين».
يبدأ «أديب» كتابه بقصيده شعرية كتبها زعيم تنظيم القاعدة د. أيمن الظواهري، بعنبر التأديب بسجن ليمان طره على خلفية حبسهم في مقتل الرئيس الأسبق، محمد أنور السادات، في بداية الثمانينات؛ وربما لا أحد يعرف أن «الظواهري» كان شاعراً في الأساس وبطبيعة الحال لم يطلع على ما كتب؛ وما دونه كان ينم على أنه شاعر فذ وقدير لو أنه ترك حياته التي أختارها في كهوف تورا بورا، ولأصبح قامة شعرية، فجمع قصيدته الأول والأخيرة في كتابه.
قصيدة «الظواهري» التي تقع في مستهل «كلمات خلف القضبان» حاول من خلالها زعيم تنظيم القاعدة أن يطوي صفحة الخلاف الدائر بين قيادات التيار الجهادي في مطلع الثمانينات، وكان على رأسهم، عبود الزمر، الذي كان يطلب الولاية لنفسه وكان سجيناً وقيادات الجماعة الإسلامية والتي كانت تطلب الولاية ل د. عمر عبد الرحمن، أمير الجماعة الإسلامية وقتها، فتصارع الفريقين بين ولاية الأسير والضرير وعدم جواز كل منهما.
فسر الكاتب الذي تخصص في شئون الحركات الإسلامية، كيف تراشق كل فريق مع الآخر وكيف واجه «الظواهري» حالة الفرقة مذكراً إياهم بضرورة التوحد لمواجهة الدولة آنذاك.
استطرد الكاتب للحديث عن الظروف النفسية التي عاشها كاتب العنف آنذاك والحالة العامة للسجناء، فضلاً عن نشره للقصيدة كاملاً؛ لينتقل من خلالها لقصيدة آخري بعنوان «رويدك أم خالد»، هذه القصيدة التي استقبل بها السجناء السياسيون والدة، خالد الإسلامبولي، عندما علمت بنبأ إعدام خالد وهي داخل السجن محاولة الحصول على جثة نجلها، فأرادوا أن يخففوا عنها بزيارة شقيقها الأكبر، محمد شوقي الإسلامبولي داخل السجن، فهمس وصاح السجناء يتغزلون بصبر «المرآة» وتضحية نجلها!؛ هذه القصيدة التي طافت أرجاء العالم من شرقه إلى غربه وتغنى بها «الجهاديون» في الجزائر وبلدان آخري خاضوا فيها حروبا دموية، فقد كانت ملهمة لأفعالهم.
«أديب» ينشر زجلية «عبد الباسط جاله جواب» والتي جسد من خلالها السجناء السياسيون مأساتهم والتي امتدت عقود داخل الزنازين عندما أفرجت أجهزة الأمن عن خطاب بعثته امرأة في السبعين من عمرها لنجلها تتمنى فيه أن تراه قبل وفاتها، والعجيب أن أجهزة الأمن فاجأت السجناء بالسماح لوصول رسالة الأم المكلومة لأبنها في زنزانته، ليصيغها أحد السجناء الشعراء في زجلية تغنى بها السجناء تحت العنوان المذكور.
يعرض الكاتب قصيدة «احمل سلاحك ولنقاتل أنورا» والتي هيئ صاحبها، د. توفيق علوان، من خلالها قتل الرئيس الأسبق، محمد أنور السادات وحرض المجموعات الجهادية على استعجال قتله بعدما اتفق بعضها على التريث لتحقيق انقلاب يخلف قتل رأس السلطة التنفيذية وليس العكس كما حدث.
نقل «أديب» إنتاج العديد من الشعراء تحت عناوين مختلفة، كل منها يحكي مأساه وملهاة في ذات الوقت، كان يدقق في كتابة الإنتاج الأدبي ويحققه خاصة إذا كان صاحبه قد قتل جراء التعذيب أو أثناء المواجهات الأمنية، وعرض الطريقة التي كان يحتفظ بها الأدباء بأدبهم بين شقوق جدران الزنازين وكيف كانوا ينقلونها من عنبر لآخر أو من سجن لآخر.
«أديب» ينقل من خلال القطع الأدبية التي جمعها حالة الصدمة التي انتابت أغلب أطياف التيار الجهادي داخل الزنازين وبخاصة الجماعة الإسلامية عندما راجعوا أفكارهم وتخلوا عن العنف، فنقل شعور السجناء الذين قتل أحبابهم وهم يتخيلون أنهم في الجنة ليأتي إليهم نفس القيادات التي أمرتهم بالعنف ويقولوا لهم، أنهم أخطئوا الطريق فلم يعود يعرفون إجابة عن مصير «إخوانهم» الذين قتلوا، فهاجت مشاعرهم بالشعر أدباً ونثراً تعبر عن الحالة التي كانوا يعيشونها وقتها.
«أديب» عرض في كتابة نماذج لبعض القصص القصيرة التي كتبها أصحابها كان أشهرهم، ما كتبه، عاصم عبد الماجد، عضو مجلس شورى الجماعة الإسلامية في منظومته «سماح» والتي اقترب من خلالها من مأساتهم داخل السجون معبراً عن أفكاره الدفينه بداخلها، كما أفرد لل «الجنة فيها محشي» والتي تحكي معاناة سجين كان يحلم بأكل وجبة من المحشي فمات قبل أن يأكلها متسائلاً قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، الجنة فيها محشي؟، ومن أهم القصص المبكية والتي تحكي معاناة هؤلاء السجناء عن قرب «توكيل طلاق»؛ حيث معاناة فراق الأحبة وبخاصة زوجات هؤلاء السجناء الذين كانوا يطلبون الطلاق ومعاناتهم التي كانت لا تختلف كثيراً عن معاناتهم أزواجهم.
من أهم الكتب التي نشرت ل «منير أديب» الخبير في شئون الحركات الإسلامية، عنابر الموت..قصص واقعية من داخل السجون المصرية، و الجماعات الإسلامية والعنف..العودة إلى العمل المسلح، و الإلحاد..بين أفكار أصحابه وهجرة أتباعه، و كلمات خلف القضبان..سهام الجهاديين أم روضة الزنازين.