هذا كتاب فريد في موضوعه، بل وغريب أيضا، إذ ينظر إلى مجموعة من الناس نظرة مختلفة عن تلك السائدة عنهم، والمطبوعة عليهم. فسنوات طويلة ونحن لا ندرس قيادات "الجماعة الإسلامية" سوى من زاوية أفكارهم المتزمتة، وأفعالهم الدموية، وتصرفاتهم الطائشة، وأوهامهم المقنعة في القفز على السلطة وإقامة نظام حكم يتواءم مع تصوراتهم، وكذلك جفائهم للناس بزعم أنهم أعلى منهم عند الله درجات. أما هذا الكتاب فيسعى مؤلفه، الأستاذ منير أديب، المتخصص في شئون الحركات الإسلامية، إلى أن يضيء جانبا مظلما في نظرة الباحثين والكتاب إلى المنتمين إلى هذا التنظيم، ويجلي غموضا اكتنف حاله ردحا من الزمن، ويجيب على أسئلة معلقة، قد يكون أولها: هل بوسعهم أن يتصرفون أحيانا مثلنا؟ في الكتاب ستندهش حين تتساقط أمام عينيك القشرة الصلبة المتجهمة القديمة التي تحط على أجساد وأذهان هؤلاء، وهي من صناعتهم في أغلبها وليست أوهاما عنهم ولا تجنيا عليهم، وستبرق أمام عينيك حالات وسمات أخرى، فتعرف أن بعضهم يقرض الشعر، وستقرأ نماذج من شعره، وبعضهم يكتب القصص، وستطلع على سرده، حتى لو كان عتيقا في الشكل والمضمون، وستعرف أن بعضهم يهزه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره، فيصدح بالغناء وحيدا، رغم ما يقولونه جهارا نهارا بجهل، وهم في جماعة، عن حرمة الفن، وآثام السماع والطرب. بهذه الكلمات قدم الدكتور، عمار على حسن، كلمات خلف القضبان..سهام الجهاديين أم روضة الزنازين للباحث في شئون الحركات الإسلامية، منير أديب، والذي أنفرد من خلال إصدارة بنشر قصائد شعرية لزعيم تنظيم القاعدة د.أيمن الظواهري، كما نشر مقطوعات أدبية لم تنشر من قبل لبعض التيارات الجهادية التي تغنت بالعنف ردحاً من الزمان. كلمات خلف القضبان، أول إصدار يؤرخ لأدب السجون في العصر الحديث ويختص في ذلك السجناء الإسلاميين، فلم يتم التأريخ لأدب السجون منذ الستينات من القرن الماضي؛ وبالتالي فالبحث ظاهرة مهمة رسمت بعض الرتوش على صورة «الجهاديين» التي اقتصرت في أذهان الناس على المدفع والرشاش. مادة البحث، اكتشفت أن تحريم التيارات الإسلامية لممارسة الأدب أحد أسباب جفائها للمجتمع ووقت أن سمحت لأعضائها أن يكتبوا أدباً وقت أن بدأت تراجع أفكارها، فلا يغرك أن تجد بين هؤلاء «الجهاديين» نجيب محفوظ في الرواية أو المتنبي في الشعر؛ فأشعارهم كتبت داخل الزنازين ولم يستطيع أن يخرجوها من صدورهم إلا بعد الثورة، وبعضهم احتفظ بها في جدران الزنازين لسنوات طويلة حتى استطاع أن يفك أسرها. الحالة النفسية وصدق التجربة أتاح للمبدعين من هؤلاء الجهاديين أن يعزف سيمفونية أدبية رصينة بعيداً عن أفكاره التي تغنى بها، فرغم أن القليل منها «عاطفي» أو «رومانسي» إلا أنك تجد إبداع أدبي حقيقي وإن اختلفت مع هؤلاء الجهاديين في الموضوع، فقد تغنى أكثرهم بالعنف ومارسوه من خلاله كلماتهم التي كانت بمثابة الرصاص. يعرض، المؤلف، والذي تخصص في شئون الحركات الإسلامية، أول قصيده شعرية لزعيم تنظيم القاعدة د. أيمن الظواهري، في استهلال بحثه عن أدب السجون، ويحكي في عنوانه الأول، «أيمن الظواهري شاعراً» الخلاف الذي دار بين قيادات التيار الجهادي في بداية الثمانينات، وكان على رأس هذه التيارات الجماعة الإسلامية وجماعة الجهاد، فكتب قصيدته الشعرية الأولى والأخيرة حتى ذهب لأفغانستان. يحكي، المؤلف، ظروف كتابة قصيدة «الظواهري» والعنبر الذي كتبت فيه، فضلاً عن السجن الذي شهد بزوغ موهبة زعيم تنظيم القاعدة الأدبية، كما قام بتحقيقها وسرد الظروف السياسية التي كتبت فيها القصيدة الأولى والأخيرة في حياته قبل أن يهرب إلى كهوف أفغانستان وتورا بورا. يعرض «أديب» زجلية «عبد الباسط جاله جواب» والتي يحكي من خلالها المأساة التي تعرض لها السجناء السياسيون خلال فترة حبسهم، والتي كتبت بلغة ساخرة تضاهي في صدقها قصائد الحب والعشق في العصر الأندلسي. كما يعرض المؤلف خلال كتابه الذي يقع في 319 صفحة من القطع المتوسط، قصيدة «رويدك أم خالد» والتي تغنى بها «الجهاديين» في مشارق الأرض ومغاربها وقد تغزلوا في فعل، خالد الإسلامبولي، قاتل الرئيس الأسبق، محمد أنور السادات، كما تغزلوا في تربية والدته له، واستشروا له الجنة. كما يعرض الكتاب قصيدة آخري للدكتور، توفيق علون، بعنوان «احمل سلاحك ولنقاتل أنورا» والتي حرض فيها على قتل «السادات»، وكانت أحد أسباب تهيئة المناخ العام لقتله بعدما بدأ يتغنى «الجهاديين» بضرورة التخلص منه. يعرض الكتاب قصائد شعرية ومقطوعات أدبية لشيخ الأدباء الإسلاميين، على الشريف، والذي كان بمثابة مخبأ ومأوى لرصيد الأدباء والشعراء من كافة التيارات الإسلامية، فقد كان يتميز بذكاء ودهاء جعله قادر على إنتاج أدباء الشعراء. عرض «أديب» أيضاً للقطع الأدبية التي كان يقولها السجناء لمرة واحده في روضات الزنازين، ومر على أكثر من سجن وأكثر من سجين لجمع وتحقيق هذه القطع الأدبية والتي انفرد بنشرها حتى تتنفس الهواء من جديد بعد أن أفرج عنها في إصدار يرصد تجربة أدب السجون بعد أن كانت حبيسة قائلها واثنين من السجناء. يكشف الكتاب النقاب عن أشكال أدبيه آخري في مقدمتها القصة القصيرة، فيعرض العديد من القصص المؤثرة والمبكية والتي تحكي قصة «المعاناة» التي عاشها هؤلاء السجناء طيلة ثلاثين عاماً، كما تعرض آمال وطموحات هؤلاء الشباب والتي نسجوها بالخيال ووضعوها في قوالب أدبيه شيقة. نجح، منير أديب، المتخصص في شئون الحركات الإسلامية، أن يكشف من خلال كتابة، كلمات خلف القضبان..سهام الجهاديين أم روضة الزنازين، جزءاً غامضاً في حياة التنظيمات الدينية وأن يساعد على إعادة قرأه هذه التنظيمات من زاوية مختلفة عن التي عرفها الناس لعلها تفسير كثيراً من شخصيات هؤلاء «الجهاديين» وتساعدنا أكثر على فهمهم. %MCEPASTEBIN%