انتحروا يرحمكم الله

المصري مؤمن لا ينتحر. المصري ساخر لا ينتحر. المصري فلاح لا ينتحر. المصري صبور لا ينتحر. المصري يمشي حاله، ولذلك فهو لا ينتحر. المصري أساسا يموت بسهولة في عبارة، في حريق، في مستشفي حكومي، في قطار، وهو يعبر الشارع، وهو يركب الميكروباص، في بلاعة مفتوحة، فلماذا ينتحر؟ ما يمشي في الشارع.
آن آن آآآآآن، المصري أصبح ينتحر. ولا يمر يوم دون أن نقرأ في صفحة الحوادث عن خبر انتحار شاب أو فتاة. لم؟ لا أعتقد أن الفقر هو السبب. بالرغم من أن كل المنتحرين كانوا فقراء، إلا أن المصري فقير بطبعه، معوز بفطرته، حياته ملطشة حتي اعتاد علي النحس فإذا ضحك قال: «خير اللهم اجعله خير».
لأول مرة لا تخبرنا الدولة بأن كل شيء تمام، وأن المنتحرين هم قلة مندسة وعملاء للخارج. اعترفت الدولة بأن الانتحار في مصر أصبح ظاهرة، ورصدت ثلاثين حالة انتحار في شهرين، أي بمعدل منتحر كل يومين، وذلك في منطقة الجيزة وحدها. لم تكتف الدولة بالاعتراف بالظاهرة، علي غير عادتها، وإنما واجهته بقانون للحد من ظاهرة.. فشل محاولات الانتحار.
أي نعم، مش بنهرج هنا يا أفندي، تريد الانتحار يبقي تنتحر، ما تخضناش علي الفاضي. ثم إنك أيها المواطن فاشل في كل شيء، فاشل في التحصيل الدراسي وأنت تجلس في فصل يعج بثمانين تلميذاً، فاشل في إيجاد وظيفة وتعيش عاطلا ينفق عليك والدك وشاربك في وجهك يشبه زعافة السقف، فاشل في الزواج بالطبع بما أنك عاطل، فاشل في السفر، فاشل في تغيير واقعك، حتفشل كمان في الانتحار؟
إيمانا منها بضرورة تشجيع إيجابية المواطن وحثه علي بذل أقصي ما في جهده لتحقيق النجاح، قررت الدولة حبس أي شخص يحاول الانتحار لمدة تتراوح ما بين ستة أشهر وثلاث سنوات، عقوبة له علي فشله في الانتحار الفاشل ده.
ومشاركة مني في هذا المشروع القومي إليكم بعض المقترحات التي تضمن لك النجاح في مهمتك بإذن الله:
- القفز من برج القاهرة.
- إذا كنت تريد الموت غرقا، فانتحر في الفترة المسائية إذ تقل كثافة فرق الإنقاذ في الليل.
- شوية أسلاك كهرباء عريانة، وبل إيدك وأمسك بها.
محظورات:
- لا تقف أمام القطار، لأن القطار سينقلب وربما لا يقتلك، فشحنة القطارات الجديدة تنقلب لو رميت قدامها ورقة كلينكس.
توصيات:
- بث كل جلسات مجلس الشعب وإعادتها علي مدي ثلاثة أيام متتالية كخدمة للراغبين في الانتحار.
- دعم المسدسات وتسهيل تراخيص السلاح ليكون في متناول كل مواطن بعيدا عن البيروقراطية.
- توزيع سي دي هات خطب أحمد عز مع الصحف القومية.
- تسهيل إطلاق القوافل إلي غزة، ثم إبلاغ الجيش الإسرائيلي عنهم.
- تخصيص برنامج قبل نشرة التاسعة لا يزيد علي عشر دقائق علي غرار البرنامج القديم «حديث الروح»، يتحدث فيه الوزير يوسف بطرس غالي، ويكون اسم البرنامج: طلوع الروح.
وبذلك تتمكن الدولة من تسهيل خدمة الانتحار، حتي ما إذا حبست الفاشل في الانتحار لا تتهم بالتعنت.