ذات يوم خرج علينا شاعر الأمة الكبير نزار قباني بقصيدة عنوانها «متي يعلنون وفاة العرب» ولأنه ليس للشعوب شهادة وفاة ولكن هناك دلائل وقرائن ومواقف وأحداثاً وسلوكًا تثبت وفاتها.. أقول لعمنا الكبير نزار قباني- وقد مَن الله عليه بنعمة الانتقال إلي العالم الآخر إن العرب توفاهم الله والحمد لله ولكنهم ذهبوا غير مأسوف عليهم فلم ينع العرب أحد ولم يرثهم أحد ولم يبك عليهم أحد ولم يأسف لحالهم أحد. كانوا خير أمة أخرجت للناس وأصبحوا أسوأ أمة خرجت من الناس، وأما يا عمنا الكبير عن حالة الوفاة فقد سبقتها تداعيات بدأت عندما تحولنا إلي أقوام تتعارك مع بعضها البعض لأتفه الأسباب حتي الكروية منها، وأمسك كل فريق بميكروفون وهات يا زعيق وعويل وكلام بطال لا يودي ولا يجيب وتفنن الجميع في عمليات الشجب وبرزوا في كل أنواع الاستنكار وسبقوا الأمم التي سبقتهم جميعا في الاعتراض وتحولوا إلي ظاهرة صوتية وتوقفت جميع أعضاء العرب عن الحركة والفعل والنمو، وأصبح عقلهم المفكر هو الحنجرة وعلي رأي أبويا الجميل الولد الشقي - رحمة الله عليه - أصبحوا حنجوريين وقد أسرف العرب.. كل العرب في استخدام العضو الوحيد الذي بقي من جثتهم علي قيد الحياة وهو الحنجرة، فقد ماتت كل الأعضاء موتا إكلينيكيا ولهذا ظل العرب يحاربون ويثبتون للجميع أنهم علي قيد الحياة فقط من خلال الحنجرة وجاءتهم صحوة الموت بعد أن شك الجميع في أن الموت أفناهم في أبريل من العام 2003 عندما غزت القوة الأعظم في الكون بلدا خطير الموقع عظيم الإمكانات حافلا تاريخه بالمجد وهو العراق واستباح الأمريكان كل شيء في العراق.. ثرواته ونسائه وتراثه وحضارته ومستقبله وكان بقية العرب يتفرجون ويلهون ويأكلون ويشربون وينامون ملء جفونهم وكأن شيئا لم يحدث وبراءة الأطفال ترتسم علي عيونهم السمراء وسط المآسي انتفض الجسد العربي متمثلا في الجنوب اللبناني عندما خرج مقاتلو «حزب الله» ليعلنوا للعالم أجمع أن العرب لا يزالون علي قيد الحياة وأنهم قادرون علي الفعل وقد فعلوا بالجنود الإسرائيليين -أوسخ بني البشر -أفعالا شنعاء وأظهروهم علي حقيقتهم.. ولكن لبنان بكامله دفع الثمن غاليا وعادت بيروت إلي العصور الحجرية لا ماء ولا كهرباء ولا أعمال ولا أمل في الإصلاح وأيضا تفرج العرب علي ما يحدث وكأن لبنان بلد من بلاد الواق واق، وجاءت الكارثة الكبري في حرب غزة الشعب الأعزل المحاصر ضربوا الأطفال والنساء والعجائز بالفسفور الأبيض وحولوا القطاع إلي قطعة من الجحيم وعلي قناة «الجزيرة» شاهدنا الأحداث واكتفينا بالتعليق وإبداء مشاعر الأسي والحزن العميق ولم يحرك أحد ساكنا ولم نستخدم أيا من أسلحتنا سوي هذه الحنجرة التي ظلمناها معنا وأشقيناها بسلوكنا!! ومع أن ميزانيات العرب متخمة خصوصا فيما يخص بند السلاح ولكن السلاح في حاجة إلي إرادة وإلي شعور بالنخوة وإلي قرار مستقل ويا عمنا نزار أنت تعلم أننا فقدنا القدرة علي كل هذه الأشياء ومنذ زمان بعيد وتحول السلاح الموجود لدي العرب إلي جزء من زينة الدول فكل دولة فيها شعب ولكل شعب علم يلتف حوله وجيش يدافع عنه، ولكن في بلاد العرب تحولت الجيوش لتدافع عن الحكام وليس عن الشعوب، وقد أظهرت القوة الأعظم العين الحمراء في العراق وعليه فقد آثرنا السلامة وأصبحنا أطيب ناس في المعمورة تضحك من جهلنا ومن خيبتنا ومن قلة حيلتنا.. جميع الأمم.. انتصاراتنا أصبحت في مجال آخر غير ساحة الوغي.. إنها الملاعب الخضراء وكرة القدم التي تحولت إلي مسألة كرامة وحياة أو موت.. وإذا كنا سنكتفي بالمشاهدة فإنني أقترح علي إخوانا العرب أن يفضوها سيرة ويسحبوا مبادرتهم ويلقوا بكل أسلحتهم وعلي رأسها السلاح الحنجوري الفتاك، فقد انكشف كل شيء وبان علي رأي المرحوم عبد المنعم مدبولي وها هي أحداث غزةالجديدة تثبت أننا ميتون وإن كنا لا نزال نتنفس وأننا نعيش دنيا الأحياء دون أن تكون لنا من أسباب التعلق بالحياة.. أي أسباب.. إننا خائفون، مرتعدون، سلبيون، نعطي ظهرنا للأعداء وندور الضرب في أهلنا وناسنا إذا تظاهروا أو تضامنوا أو أعلنوا الغضب أو طالبوا بالثأر.. رحم الله أستاذنا الكبير أحمد بهاء الدين والذي لا تزال كلماته ترن في أذني.. تلك التي دارت بينه والسعدني الكبير -يرحمه الله- عندما سأله في آخر لقاء جمع بينهما.. إحنا رايحين فين يا عم بهاء.. فأجاب أحمد بهاء الدين قائلا: العالم العربي راكب طيارة مخطوفة.. ومش عارف الخاطفين.. واخدينه ورايحيين علي فين!! اللهم لا نسألك رد القضاء.. ولكن نسألك اللطف يا رب العالمين!!