في انتخابات مجلس الشعب السابقة ارتكب بعض الفائزين في الانتخابات جريمة سياسية وأخلاقية بشعة بإعلانهم بعد الفوز عن «تغيير» الصفة التي منحهم الناخبون ثقتهم علي أساسها وهي «الاستقلال» لينضموا إلي «الحزب الوطني». وإذا كان ما فعله هؤلاء النواب لا يقع تحت طائلة المخالفات القانونية، إلا أنه يعتبر بكل المعايير السياسية العلمية والتقاليد السياسية في الدول المحترمة، جريمة سياسية وأخلاقية تفقد صاحبها «ثقة» من منحوه أصواتهم بالصفة التي أعلنها، وعندما يفقد العضو ثقة من منحه صوته فإن شرعية تمثيله لناخبيه تسقط تماما، بل ويضاف إلي سقوط الشرعية اتهام مشروع بخداع الجماهير وتضليلها. قد يحاول البعض بالقول إن هؤلاء الأعضاء من حقهم أن يغيروا توجهاتهم، لأنهم اقتنعوا بالتوجهات التي يتبناها الحزب الوطني وهذه مغالطات صارخة لا يقبلها عاقل. أولا: الدوائر التي فاز فيها هؤلاء خاضوا فيها المعركة الانتخابية ضد مرشحين «للحزب الوطني» وفوزهم علي مرشحي الحزب الوطني يعني بشكل قاطع أن الناخبين يرفضون توجهات «الحزب الوطني» وإلا لأعطوا أصواتهم لمرشحي الحزب الوطني. ثانيا: انضمام هؤلاء الفائزين بعد فوزهم بصفتهم مستقلين أمام مرشحي «الحزب الوطني» يعتبر جريمة أخلاقية وسياسية بشعة، لأنهم حصلوا علي أصوات مؤيديهم التي منحتهم الفوز علي منافسيهم من الحزب الوطني، وانضمامهم إلي الحزب الذي لم تمنحه الجماهير الثقة لا يمكن أن يوصف إلا بأنه خداع وغش للجماهير. وفي الدول المحترمة لا يمكن بحال أن تمر مثل هذه التصرفات مرور الكرام، بل إنها تعتبرمن الجرائم السياسية التي تفقد مرتكبها شرعية تمثيل الجماهير التي خدعها بتغيير صفته، والانحياز إلي التوجهات السياسية التي رفضتها الجماهير التي انتخبته. ثالثا: لو فرضنا جدلا - كما تدعي قيادات الحزب الوطني - أن هؤلاء كانوا أعضاء بالحزب الوطني قبل الانتخابات وأن الحزب استبعدهم لأنه رأي أن غيرهم أجدر بتمثيله، فمعني هذا أن الحزب يشكك في قدراتهم بل وفي أهليتهم لتمثيله، فكيف يسمح حزب يحترم نفسه لمثل هؤلاء بالعودة إلي مواقع قيادية يمثلون فيها الحزب الذي أعلن عمليا أنهم غير أهل لتمثيله؟! رابعا: كيف يقبل هؤلاء الأعضاء أن يعودوا إلي الحزب خاصة أن عودتهم تمت بأسلوب يتنافي مع حفظ كرامتهم، فقد سمح لهم بالعودة لعضوية الحزب بعد تقديم «الالتماسات» للعودة إلي الحزب؟! خامسا: كيف يسمح حزب يدعي أنه حزب الأغلبية الكاسحة، بأن يطلب من منافسي مرشحيه بعد فوزهم العودة إلي الحزب ليضمن الأغلبية في مجلس الشعب؟! هذه الظاهرة التي فرضت نفسها بقوة في انتخابات مجلس الشعب السابقة مرشحة هذه الأيام لتتكرر في انتخابات مجلس الشوري التي ستجري خلال أيام وأيضا في انتخابات مجلس الشعب التي ستجري في نهاية هذا العام. وإذا تكررت هذه الظاهرة .. وكل الشواهد تؤكد أنها سوف تتكرر فعلي القوي السياسية المعارضة والمستقلة أن تواجه هذه الجريمة السياسية والأخلاقية بكل الوسائل المشروعة لإدانة المرشح الذي يخدع الجماهير ويمنح ثقتها لشخصه - لحزب أعلنت الجماهير رفضها منحه ثقتها - ففي هذا التصرف خيانة أخلاقية وجريمة سياسية. وأعتقد أن خبراء القانون يمكنهم من الآن دراسة هذه الظاهرة ومحاولة العثور علي «التكييف القانوني» لمثل هذه الجرائم، ووضع الخطط لملاحقة مرتكبيها قضائيا، وأيضا من خلال اللجوء إلي المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والمنظمات الدولية التي تضم المؤسسات السياسية من مختلف الدول كمنظمة البرلمانات الدولية والعربية. وعلي قوي المعارضة ألا تستسلم لهذه الظاهرة بمنطق أن نظام الحكم سوف يستمر في حماية هذه الجريمة بل والتشجيع علي ارتكابها ليضمن استمرار أغلبيته المشكوك في شرعيتها.. إصرار النظام علي استمرار هذه الجريمة يجب أن يكون حافزاً لمزيد من التصميم علي مواجهتها بكل الوسائل المشروعة، والمؤسسات الإقليمية والدولية التي أشرت إلي بعضها يمكن أن تكون إحدي الجهات المؤثرة التي يمكن اللجوء إليها، خاصة أن القضية ستطرح علي هذه المؤسسات من زاوية سياسية، وهي زاوية تتفهمها هذه المؤسسات وتحترم قواعدها ومعاييرها المستقرة. فهل تفكر قوي المعارضة جديا في المعارضة من الآن لخوض هذه المعركة لمنع تكرار ارتكاب الحزب الوطني لهذه الجريمة السياسية والأخلاقية؟!