حينما أوفد الظواهرى مساعده عبد الباسط عزوز إلى ليبيا فى شهر مايو عام 2012 ليدير أول معسكر للقاعدة، يضم 300 تحت قيادته فى بنى غازى، كان هذا مؤشرًا على أن هناك شبكة للجماعات الجهادية وجيلها الرابع من الخوارج الجدد ستمتد بطول الأراضى الليبية، نظرا إلى أنه التقى مجموعات أخرى كان منها المصرى ثروت صلاح شحاتة الذى يقود معسكرًا على حدودنا الغربية. لقد ركزت استراتيجية الظواهرى على الاستفادة التى وفرتها ثورات الربيع العربى من الفوضى الخلاقة لتنظيم بن لادن العالمى، فشدد قبضته على أماكن كثيرة، وعقد تحالفات متنوعة مع قبائل دولة ما بعد القذافى، واضعًا فى خطته تشديد قبضته على مخازن السلاح، ثم بعدها محاولة منع إمدادات النفط عن الغرب، بعد أن يكون قد أصبحت له معسكرات فائقة القدرة على الحركة، تدعمها شبكة دولية وإقليمية أخرى أهمها إمارة الصحراء الإسلامية التى تمتد جنوب ليبيا لتصل إلى ساحل المحيط الأطلنطى.
لقد تحقق هدف الظواهرى فى ما بعد ورفعت أعلام القاعدة فى الاحتفالات التى عمت ليبيا، واخترق الخوارج الجدد منطقة الساحل والصحراء الشاسعة جنوبالجزائر وشمال مالى، وتعاظم نفوذهم، حتى أصبحت تحكمها الميليشيات التكفيرية، وتم اختيارها لتكون مركزًا لتنظيم القاعدة، بعد أن أقامت المعسكرات هناك، واتفقت على استراتيجية موحدة لإقامة إمارة فى الشمال الإفريقى.
تنبع خطورة الأوضاع فى ليبيا أن حركة أنصار الشريعة الليبية كانت الحركة الأم التى تمخضت عنها ولادة أنصار الشريعة فى تونس ثم فى شمال سيناء، وهى من أخطر الحركات المسلحة، إضافة إلى تجهيزها وتزويدها الحركات المسلحة المصرية بكل أنواع السلاح المتراكم لديها، خصوصًا فى بنى غازى ومصراتة، عن طريق هذه الجماعة الإقليمية، التى يقودها فى مصر، القيادى أحمد عشوش المقبوض عليه مؤخرًا، وهذا هو الخطر المقبل الذى يجب أن ينتبه إليه الجميع، بأن المعركة الدائرة فى شبه جزيرة سيناء، ستنتقل فى القريب إلى حدودنا الغربية مع 3 معسكرات لتكفيريين يقودهم مصريون هاربون مثل ثروت صلاح شحاتة، أحد قادة تنظيم الجهاد.
ويمتلك التكفيريون الليبيون، عدة معسكرات يقود بعضها مصريون، يقفون على الحدود الليبية المصرية فى انتظار إشارة البدء لمعركة شرسة، والخطورة الحقيقية أن ليبيا حاليا يوجد بها أكثر من 70 ألف مُسَلَّح وفق إحصائيات غربية، فى ظل غياب الدولة والحكومة المركزية.
وتضم خريطة معسكرات الخوارج الجدد بليبيا عدة معسكرات أهمها، معسكر الزِّنْتَان، الذى يخضع لإدارة تنظيم أنصار الشريعة فى ليبيا، ومنهم القيادى يوسف جهانى، وقد خرجت منه مجموعة قامت بعملِية منشأة عين أمناس النفطية جنوبالجزائر.
يأتى بعد ذلك معسكر أبو سلِيم، ويشرف عليه أبو دجانة الموجود حاليًّا فى شمال غرب سوريا، وهو مخْتص فى تحضِير الانتحاريين.
كما تضم القائمة ثكْنَة الجبل الأخضر داخل مركز القيادة العسكَرية للجماعة اللّيبية المقاتلة، بجوار مدينة درنة، وهُو المعسكر الأكثَر تَطَورًا وتَجهيزًا، ويعمل بنظام الدورات وفق أسس أكاديمية، ويختص بصنع وتفكيك المتفجرات، إضافة إلى التدريب على مختلف أنواع الأسلحة.
يأتى بعد ذلك معسكر الإخوان «المسلمين» ويقع مقره فى منطقة بوفاخر ببنى غازى، ومنه خرجت طلائع غرفة عمليات ثوار ليبيا التى اختطفت رئيس الوزراء على زيدان بسبب رفضه إدانة الإطاحة بمرسى العياط وزيارته لمصر.
وتمتد خريطة المعسكرات التكفيرية لتشمل مخيمًا للسلفِية الجهادية، ومقره فى منطقة الليثى ببنى غازى، ويشرف عليه عبد الباسط عزوز مستشار الظّواهرى، إضافة إلى معسكر مدينة سرت، وتحديدًا فى منطقة الظهير التى تبعد عن وسط المدينة مسافة 15 كيلومترًا، وهو أحدث هذه المعسكرات، ويتمتع بأهمية كبيرة بسبب نوعية التسليح فيه وخبرات المدربين من مختلف الجنسيات، ويعتبر هذا الرابط الرئيسى بين مختلف معسكرات الخوارج الجدد فى ليبيا.
كما أن هناك معسكرات أخرى على الحدود التونسية، مثل: معسكَر قاعدة «ألوطية الجوية» فى الغرب الليبى قرب مدن الجميل والعجيلات المحاذية للحدود التونسية، وفيها يدرب أبو عياض التونسى الأفراد التابعين له، إضافة إلى معسكر أبو المهاجر الليبى الذى له علاقة مباشرة بما يحدث فى مصر، لأن موقعه بعيد نسبيًّا عن أعين الأجهزة الاستخباراتية، إضافة إلى معسكر الفزان الذى يضم آلاف «التكفيريين» من دول المغرب العربى وأقطار الصحراء وحتى من السنغال ونيجيريا، وقد أسهم فى توجيه مقاتلين إلى جبهة النصرة فى سوريا، ومقاتلى جبهة الدعوة والتوحيد، وتنظيم القاعدة فى بلاد المغرب الإسلامى، وجماعة «الموقعون بالدم».
هكذا يستفيد الظواهرى من تلك المعسكرات التى تغولت تمامًا، وأصبحت تدير المشهد فى ليبيا، وتحقق ما كان يحلم به من إنشاء جيش من المسلحين على حدودنا الغربية يقوم بمعركة فاصلة يصل بعدها إلى السلطة.
هذا بالضبط ما جاء فى اعترافات عادل حبارة المسؤول عن مذبحة رفح الثانية، الذى أكد أنه التقى قيادات من الإخوان قدموا له دعمًا ماديًّا هناك فى ليبيا، ونفس الاعتراف أدلى به محمد الظّواهرى الذى أفاد بتلقيه 16 مليون دولار لتدريب مقاتلين فى سيناء وليبيا، وذلك ما ورد فى تقْرير جهاز الأَمن الوطنى المقدم للنيابة بتاريخ 9 أكتوبر 2013، وهو يتضمن تسجيلات صوت وصورة، ووثائق هائلة، منها مكالمات هاتفية وبريد إلكترونى، واعترافات ل112 متهما أُرسلوا إلى ليبيا للتدريب، ثم العودة لمصر.
ويمتلك الخوارج الجدد المصريون فى ليبيا معسكرات تدريبية وميليشيات مسلحة بأسلحة حديثة تم الحصول عليها من مخازن سلاح القذافى بعد سقوطه، يقودها ثروت صلاح، الذى التقى مع عصام الحداد ومحمود عزت أيام حكم مرسى للاتفاق حول العودة لمصر، وهو ما كشفه بعد ذلك أبو أنس الليبى بعد القبض عليه وتسليمه للولايات المتحدة فى اعترافاته.
ثروت صلاح شحاتة، يبلغ من العمر 51 عامًا، هو أحد أهم كوادر تنظيم الجهاد المصرى، وكان عضوًا فى مجلس شوراه، قبل أن يتحالف مع تنظيم القاعدة عام 1998 ويشكلان معًا الجبهة العالمية لقتال اليهود والأمريكان.
يقود شحاتة أهم المعسكرات فى بنى غازى، وأغلب العناصر التى تتبعه من صغار السن، وينسق مع بعض الجماعات المتشددة فى خارج البلاد، منها الجماعة السلفية للدعوة والقتال بالجزائر.
ما سبق يفتح الآن الحديث عن ميليشيات التكفير على الحدود الغربية، وهل اقتربت المعركة الفاصلة معهم، أم لم يحن ميعادها بعد؟