هذا كتاب يتحدث عن الفهلوة.. الفهلوة المصرية الأصيلة التي صارت ماركة مسجلة للشعب المصري، فإذا كان لكل شعب جيناته الخاصة التي يتوراثها الأجيال، فإن الشعب المصري تاهت جيناته في خضم الفساد والتلوث، ولكنه تشبث بالفهلوة كصفة أساسية لا يمكن الاستغناء عنها.. هذا ما يعالجه الكاتب «عز الدين بكير» في كتابه الساخر «واحد دماغ.. وصلّحه» الصادر عن دار (شمس). وبعيداً عن هوجة الكتابات الساخرة الجديدة التي وصمت هذا الفن الراقي بالسطحية والتفاهة في بعض الأحيان، يقف الكاتب «عز الدين بكير» بعيدا عن كل هذا بسخريته اللاذعة ولغته الفصيحة السهلة التي يستخدمها حتي في الحوار بين الشخصيات ليعيدنا إلي عالم الكبيرين أحمد رجب والسعدني في سخريتهما الراقية. في هذا الكتاب ستقابل الحاج «سعد المقاول» و«عبده صاروخ» الفراش والدكتور «سلامة عقدة» الطبيب النفسي و«استنجلينة» سواق التاكسي و«حسنين المر» المحامي و«مصطفي بقدونس» المعارض الحكومي و«فسّوكة» لاعب الكرة و«الأسطي عبد المعز» الترزي والأسطي «عبده كربراتير» الميكانيكي وأحد المسئولين الكبار.. كل هذه الشخصيات يرسم لنا الكاتب من خلالها صورة متكاملة لمصر بكل أحداثها وتاريخها المعاصر وكل المتغيرات التي طرأت علي الشخصية المصرية واستوطنت فيها، يبدأ الكاتب بالحاج «سعد المقاول» الذي يمارس فهلوته علي المهندس الاستشاري للتغلب علي مشكلة الأسمنت غير المطابق للمواصفات، وينتهي بالمسئول الكبير الذي أثبت أن الفسيخ هو سبب خروج مصر بصفر المونديال الكبير، مرورا ب «عبده صاروخ» الفراش الذي يستخدم «موديلز» للقيام بأدوار رئيس الوزراء ووزير الداخلية وغيرهما في المآتم والأفراح، والممتع في الكتاب أنه لم يقترب من مشاكل المجتمع كغيره من اللاطمين الباكين الذين يكتبون للقارئ ما تيسر لهم من مشاهد البكاء علي الأطلال وسوداوية الرؤية وما أسهلها من مهمة، بل يغوص «بحرفنة» داخل عقلية الشعب المصري مستعرضا مشكلاته ببساطة محببة وسخرية راقية وضحكة صافية أيضا.