ماذا يحدث في مصر الآن؟.. أنا لا أصدق حالة الجنون التي تنتاب النخبة المصرية إزاء مؤتمر شهدته جامعة مدينة نيويورك لمدة يوم واحد وانتهي إلي لا شيء.. وعندما أقول «لا شيء» أعنيها تمامًا.. ولولا حضوري للمؤتمر وبقائي في أمريكا حتي كتابة هذه السطور لربما صدقت كقارئة بعض ما يكتب وربما استهواني هذا الجنون وأخذني عن كل ما في الحياة من هموم. أما وقد نفد الأمر وبدأت النخبة تأكل نفسها وتتحدث عن العمالة والتخوين والاستقواء بالخارج إلي آخر (إكليشيهات) الباطل الذي يراد به باطل.. أما وقد بدأت النخبة في تقديم القهوة السادة علي روح الجمعية الوطنية وعلي كل بادرة أمل للتغيير في مصر.. فقد بدأت النخبة وكل من فيها يعمل علي شاكلته وتعددت أغراض نفس (يعقوب) - فلا سبيل للكلام عما حدث وعن علامات استفهام وغموض وأدوار خفية استطاعت إفراغ المؤتمر من مضمونه وتحويله إلي شيء منزوع الدسم ومنزوع القيمة.. واستطاعت أيضًا وبقدر غير قليل من الفجاجة حصار صوت (عزة بلبع) التي دعاها منظمو المؤتمر لغناء الشيخ إمام ونجم وعزة ثم أرادوا لها أن تغني وفق (كتالوج) وضعه من يعلم به ربنا. في البدء كانت الدعوة إلي مؤتمر عن (المستقبل في مصر)، وبالطبع يُفهم أن المؤتمر مؤتمر سياسي وليس مؤتمرًا أكاديميًا، خاصة أن المتحدثين لم يقدموا دراسات أو أبحاثًا تخضع لمناقشة طلاب ماجستير ودكتوراه وإنما قدموا مداخلات مكتوبة أو غير مكتوبة تحدث فيها الدكتور يحيي الجمل بمزج تاريخي بين السياسة والدستور، وبدأ منذ الدولة المصرية التي أسسها محمد علي ومحاولات إسماعيل خلق وضع دستوري في مصر ثم دستور 23 الذي جاء نتيجة ثورة 1919 الذي ينص صراحة علي أن الملك يملك ولا يحكم، ووصولا إلي دستور 1971. وتحدث الدكتور أسامة الغزالي حرب تحت عنوان (نهاية نظام)، عن مصر منذ 1952 كنموذج للحكم المطلق، وعن عدم معرفة أحد الآن من سيحكم مصر خاصة بعد ظهور مشكلة صحة الرئيس وظهور الدكتور محمد البرادعي. وتحدث الدكتور حسن نافعة والدكتور جودة عبد الخالق والدكتور سامر شحاتة والدكتورة سامية محرز والأستاذة مني أنيس، وكانت المداخلات كلها لا تنم عن أننا في مؤتمر أكاديمي ولا تفسر إصرار منظم المؤتمر الأستاذ محمود الشاذلي - رئيس «تحالف المصريين الأمريكيين» - علي أننا أمام مؤتمر علمي وأكاديمي، وكانت هذه هي علامة الاستفهام الأولي. أما الثانية فقد كانت اختصار أيام المؤتمر من(3) إلي يوم واحد فيه ارتباك شديد، ولا أحد يفسر ويشرح كيف أصاب المؤتمر هذا الضمور ولماذا؟ وكانت الثالثة هي الأسوأ، ففي اليوم الثاني للوصول إلي نيويورك تم استدعاؤنا إلي مؤتمر صحفي عاجل في إحدي قاعات جامعة نيويورك تعقبه مائدة مستديرة للحوار بين المصريين الأمريكيين والمصريين القادمين من القاهرة، أما المؤتمر الصحفي فقد كان بلا صحفيين فلم أر صحفيًا أمريكيًا واحدًا (يوحد الله)، وطبعا كنا ثلاث صحفيات مصريات قلنا ما فتح الله به علينا وانتظرنا المائدة المستديرة التي لم تأت أبدا لا مستديرة ولا مستطيلة فقد ألغيت الجلسة ولاحوار.. ولا أحد يقول لنا لماذا؟ أما الرابعة فقد كانت هي حالة الصمت الرهيب في جلسة المتحدثين الرئيسيين، ويبدو أن حكاية الأكاديمي العلمي كانت السر في حالة الصمت، فالمؤتمر رغم أنه يحمل عنوانًا يقول (مستقبل مصر) ورغم أن المتحدثين مصريون والجمهور أكثر من نصفه مصريون إلا أن لسانه لم ينطق إلا اللغة الإنجليزية بلا ترجمة إلي العربية.. ترجمة رسمية أو غير رسمية، وجاءت المناقشات بعد ذلك أيضا صامتة معلبة في ورق مكتوب لا يسمح بحوار فيه بشر يتفاعلون، لأن المؤتمر أكاديمي وعلمي.! وجاءت الخامسة فوق العادة، فالمؤتمر الذي هو مهم وعلمي وأكاديمي انتهي بلا بيان ختامي ولا تصور ولا إعلان ولا حاجة بالمرة.. انتهي بورقة من سطور قليلة ترفض مد العمل بقانون الطوارئ في مصر.. وبسرعة وارتباك انفضت الليلة وطلب منظمو المؤتمر من الضيوف الاستعداد للمغادرة أو البقاء علي نفقتهم الشخصية. وانفض المؤتمر الذي لا تعرف لماذا عُقد ولماذا جري فيه ماجري ومن وضع مساره أو حوّله عن مساره إلي حالة السينما الصامتة التي لم يكسرها إلا اسم الدكتور البرادعي عندما ذكره لمرة واحدة الدكتور أسامة الغزالي حرب فصفقت القاعة متحدية العلمي الأكاديمي. في الدور الثالث من أحد فنادق حي مانهاتن الشهير في نيويورك وهو الفندق الذي استضافوا فيه الفئة (أ) من الضيوف المصريين - حيث إن الضيوف خضعوا لتمييز محترم- جلست الفنانة المناضلة عزة بلبع، التي قدموا لها الدعوة في القاهرة لتغني في حفلتين في ختام المؤتمر أغاني الشيخ إمام ونجم وأغانيها هي أيضا.. تصورت عزة أنها ستجد جمهورًا وقاعة واحتفالاً واحتفاء وكان كل ظنها إثمًا.. منذ وصولها إلي المطار ولم تجد أحدًا في انتظارها ولم تعرف للمؤتمر عنوانًا تتوجه إليه وبعد اتصالات ومعاناة ساعتين من الانتظار بعد رحلة 12 ساعة أرسلوا إليها من يأتي بها إلي الفندق.. وفي الفندق جلست 4 أيام تتدرب وتنتظر.. تنتظر من يرتب كل شيء بدءا من الأكل، حيث إن الفندق لم يكن يقدم طعامًا مرورًا بالإنترنت ووصولا إلي مواعيد لقاءات الفرقة التي ستصاحبها، ولما لم تجد إلا وجبة واحدة ولمرة واحدة يوم الوصول خرجت من الفندق وبحثت عن (السوبر ماركت) وراحت تشتري الماء والخبز والجبن والعصائر وقالت «الأمر لله».. أما الإنترنت فقد اشتركوا لها فيه (وفرحت) عزة بالإنترنت، وكانت المفاجأة قبل الأخيرة أن المسئول عن التنسيق معها وهو- شخص له بيزنس ما - يشترط عليها أداء أغان معينة لا تغني غيرها ولما رفضت وغنت ما تريده هي للشيخ إمام وأغنية لها مطلعها (غير حروف الغنا) أحدث خللا في أجهزة الصوت بما يؤثر في الأداء، وكانت المفاجأة الأخيرة أن هذا (البيزنس) أرسل لنا نحن القادمون من مصر من يرجونا ألا ننفعل مع أغاني عزة بلبع ولا نصفق لها ونكون في حالة هدوء بما يناسب المكان والضيوف الذين دفع كل منهم مبلغ 300 دولار قيمة تذكرة الحفل.. ولما أبدي كل منا اندهاشه وعدم فهمه الطلب دخل الرجاء في طريق (علشان خاطرنا والنبي)، وغنت عزة بأجهزة صوت ملعوب فيها وإحساس بالتوتر والترصد وانصرفت سريعا لتعد حقيبتها وتغادر الفندق وأثناء المغادرة يطالبها الفندق بدفع فاتورة الإنترنت وتدفع وتخرج لتبحث عن سكن آخر تستكمل فيه أيامها في نيويورك. هذا عن المؤتمر الذي تحول إلي لا مؤتمر أو شبه مؤتمر سري وصامت ومتواضع تحت السيطرة!. مؤتمر لم أشم فيه رائحة أمريكا ولا مسئول أو غير مسئول أمريكي شرفنا بطلعته البهية، وأظن أن الاستقواء بالأمريكاني كان مفروضا أن يبهرنا بمؤتمر بحق وحقيقي وليس هذا الشبه مؤتمر.. وأظن أيضا أن الاستقواء الوحيد لم يكن بالخارج وإنما كان بالداخل وفروعه وسفاراته وقنصلياته وأيديهم وأعينهم المنتشرة في الخارج والذين جلسوا إلي جوارنا وكتبوا كل اسم وكل كلمة، ولم نر فيهم إلا سحنة من يقوم بمهمة. .. وهذا هو حفل عزة بلبع الذي تحول إلي (بيزنس) لا تعرف عنه شيئًا وإلي فن تحت السيطرة.. وفنانة تشتري الخبز والماء من السوبر ماركت. وهذا هو ما حدث في أمريكا ولم تعوض الإحساس بالخيبة الشديدة فيه إلا عدة لقاءات مع مصريين في العاصمة واشنطن وفي ولاية فيرجينيا ونيو جيرسي ونورث كارولينا.. مصريون رغم استقرار أوضاعهم ونجاحهم المهني، إلا أن الأمل لديهم في أن تتغير مصر وتتحقق فيها الديمقراطية والكرامة.. كرامة لقمة العيش وتذكرة الانتخاب.. وليسوا معنيين بصراعات النخبة واتهامات التخوين وتصفيات القبائل عندما سألت جورج إسحق - وكان قد اختفي منذ وصولنا مطار نيويورك-: إنت اختفيت فين؟ قال لي: إنه ذهب إلي نورث كارولينا والتقي شبابًا مصريين كونوا فرعًا للجمعية الوطنية وإنه كان يعمل هناك حتي لا يكون «كومبارس». ترددت كلمات جانبية تتحدث عن أن تكلفة المؤتمر وصلت إلي 50 ألف دولار تم جمعها من عدد محدود جدا من المصريين.. وأن اللجنة المنظمة للمؤتمر رفضت أي نقاشات حول أجندة المؤتمر أو أوجه الإنفاق فيه. بعد انتهاء المؤتمر مباشرة قال لنا بعض المصريين القريبين من تحالف المصريين الأمريكيين إن نائب رئيس التحالف وهو الطبيب «شريف نصر» قد استقال ولكنه يرفض الحديث عن أسباب استقالته.