من غربنا أسوار المدينة القديمة ومن الجنوب الغربي يتلوي جدار الفصل مثل ثعبان لا نهائي علي ظهر وحش قديم. لم أستطع ألا أسأله في البداية إن كانت القدس هي مكان جيد للكتابة من وجهة نظره. - "بلا شك"، فالناس يكتبون ويبدعون هنا. أفترض أنه طالما لم تنفجر القنابل في غرفتك التي تكتب فيها فيمكنك الكتابة في أي مكان. كنت هنا منذ 13 عاما. تمترست في هذا المكان بالتحديد وكتبت هنا الكثير." يحاول زونشاين استدراجه للحديث عن السياسة. ولكن أوستر يبدو مقتضباً، وهو ما يطرح السؤال إن لم يكن أوستر يعي أن زيارته لإسرائيل هي عمل سياسي تماماً، بغض النظر عن مدلولاته. أغلب الحوار دار حول كتاب أوستر المترجم للعبرية بعنوان "غير المرئي"، يقدم زونشاين نقداً للكتاب سويا مع الحوار. يتساءل: يوم الأربعاء، اليوم الأخير قبل نهاية المهرجان. من المقرر لخطة دولية جديدة أن تبدأ في المدينة في 2011 بهدف جعل القدس مركزا فنيا دولياً. هل للقدس سمات خاصة من ناحية الكتابة؟ "طبعاً. هي مدينة صراع، ولكن لها تأثير خانق. من الصعب عليّ أن أتخيل نفسي أعيش هنا. أن أزورها هذا موضوع آخر؟ ولكن أن أستمر لفترات طويلة فهو ما يبدو لي غير ممكن. كما قال أحد الأدباء في المؤتمر: أنا مستنزف، هناك الكثير جدا مما عليّ استيعابه، الكثير جداً من الأحداث، الكثير جداً من الرعب... أعتقد أن هذا يتم دفع ثمنه من الروح الإنسانية." هل تستطيع تفهم لماذا يتم سؤال الأدباء عن مواقفهم السياسية؟ "في أمريكا لا أحد يسأل الأدباء عن مواقفهم السياسية. عندما أزور الدول _ كل الدول التي ليست إسرائيل _ يسألني الناس ماذا يحدث في أمريكا، ولكن لم يسألني أحد أبداً في فرنسا عما أعتقده بخصوص ما يحدث في فرنسا. في إسرائيل، مقابل هذا، الجميع يريدون معرفة ماذا أعتقد بخصوص الوضع في إسرائيل. هذا جذاب. لم يسألني أحد أبدا سؤالاً واحداً عن أمريكا. أقول لهم دائما: في نهاية الأمر فلقد قضيت أربعة أسابيع من حياتي في إسرائيل وأنا غير مؤهل لإعطاء إجابات عميقة أو محكمة، وإنما فقط انطباعات عن إقامتي هنا وأشياء قرأتها، ولكنني بالتأكيد غير خبير في هذا الموضوع." يسأله زونشاين عن كثرة ظهور الأدباء كشخصيات رئيسية وعلي الاهتمام بالأدب نفسه في كتاباته. كل قصصي تأتي من لا وعيي. لا أعرف من أين تأتي. لا أعرف لماذا تجتاح. ولكنها عندما تجتاح وأعتقد أنها مثيرة للاهتمام فأنا أتقدم معها. الأدباء يظهرون كشخصيات في عدد من كتبي ولكن الأدباء هم بالأساس بشر. أيضاً أهتم بمسيرة الكتابة وأهتم بالكتب التي تفتح نفسها أمامك، أو بطريقة ما تعرض عليك تطورات الحبكة. لا أهتم بالتوجهات الأدبية في القرن التاسع عشر. ثم هنا انعكاس ذاتي في كتابتي لأنني أحاول دراسة معني حكي الحكاية. من يؤلف كتب أوستر؟ أفكر في "ليلة التنبؤ" كواحد من ثلاثة كتب كتبتها عن الارتباط بين الرجال "الغرفة المغلقة" "الحوت" و"ليل التنبؤ". في كل منها هناك رجلان وهناك اهتمام بالعلاقة بينهما، وفي الحالات الثلاث هذه يتم الحديث عن أديبين. قد تكون، وأنا هنا مستنزف فحسب، محاولة لدراسة شيء ما بداخلي، بواسطة فصلي لقسمين. لا أعرف ولكن يبدو أن هذا هو الموضوع. وماذا عن الغيرة بين هذه الأزواج من الأدباء؟ ألا تغار من أدباء آخرين؟ "لا، أنا ببساطة لا أشعر بالغيرة، وحتي في كتبي ليست هناك غيرة بين أزواج الأدباء، ولكن ثمة إعجاب." يسأله زونشاين إذن عن مصادر إلهامه. يجيب أوستر سريعاً: "في أوقات أخري وفي قصص مختلفة استخدمت أدباء أمريكيين من القرن التاسع عشر لهم مغزي كبير في نظري. أتحدث عن بو، ملفيل، هوثورن، تورو، إميلي ديكنسون ووايتمان. هذه هي الشخصيات الحاسمة في تطور الأدب الأمريكي. لقد اخترعوه. قبل بو وهوثورن، أغلب الأدباء الأمريكيين كانوا مجرد محاكاة للأدب البريطاني. أشعر أننا علي ما يبدو لم نوجِد أدباء أفضل منهم حتي الآن. وأشعر بنفسي قريباً منهم. بالتحديد لنتانيال هوثورن. يستدرك أوستر ويتذكر أنه حاد عن الموضوع ولكنه يصر أنه يتحدث عن موضوع جذاب: "كتب هوثورن بشكل متواصل كراسات عن حياته. كراسات من آلاف الصفحات. في 1851 ولد ابنه الثالث وهو وامرأته وأطفاله كانوا يسكنون في مدينة بجوار ماساشوستس. بعد الولادة انتقلت زوجته مع ابنتها ورضيعها للسكني عند أبويها في ماساشوستس لعدة أسابيع. بقي هوثورن في البيت الصغير مع ابنه الذي يبلغ خمس سنوات وعلي مدار عشرين يوما كان يسجل بالتفصيل كل ماكانا يفعلانه سوياً. أعتقد أن هذا هو التوثيق الأول في الأدب الغربي، وربما في الأدب كله، لأب يعتني بابنه، وهوثورن، والذي كان في العادة أديبا كئيبا تماماً، يصل هناك للحظات من الدعابة الرائعة ويكتب بشكل مذهل. لقد أثر فيّ هذا كثيراً. وخلال هذه الفترة نمت صداقته مع ملفيل. وكتب ملفيل ساعتها "موبي ديك" في منحدر نفس الشارع. إنها لحظة أدبية خاصة، أليس كذلك؟" "أنا أكتب عن العالم كما أعايشه، ولا يمكن إنكار أن أحداثاً عرضية تماما هي جزء من الواقع. أنا أسمي هذا "ميكانيكا الواقع". لا أعني أنه ليس لدينا إرادة حرة، ولا أعني أنه ليست لدينا القدرة علي الاختيار والتخطيط، ولكن بخلاف هذا فنحن نعيش في واقع من الأحداث والمصادفات والأشياء التي لا يمكن التنبؤ بها. أنت تقع وتنكسر رجلك وتظل أعرج لبقية حياتك. تعيش معاقاً. يمكن لهذا أن يحدث بسهولة. وقد تدهسك سيارة... ماذا حدث في برجي مركز التجارة؟ تقوم نهارا للذهاب للعمل. وبعد ساعتين تموت. هذه الأشياء تحدث في العالم. هذا عنصر واحد من الواقع كما أفهمه." إذن ما مكان الصدفة في حياته، يسأله زونشاين: "هناك كتاب لي لم تتم ترجمته للعبرية بعنوان The Red Notebook . كتاب صغير يحوي قصصاً حقيقية. أحكي فيه قصة هامة جدا عن تطوري كإنسان. قصة حدثت وأنا أبلغ 14 عاما وتم إرسالي لمعسكر صيفي في نيويورك. خرجنا في أحد الأيام للتنزه، كنا عشرين طفلا ومرشدين. وجدنا أنفسنا في قلب عاصفة برقية والطفل الذي كان ملتصقاًُ بي أصيب من البرق ومات في مكانه. عندما تري هذا وأنت تبلغ 14 عاما فإنه يجعلك تفهم أن العالم هو مكان هش، يمكن لأي شيء فيه أن يحدث في أية ثانية." يسأله عن العزلة في حياته. لماذا اختارها وهي الأمر السلبي لدي أغلب البشر. يجيب: "ليس في هذا الكتاب. أن تكون وحيدا فهذا وضع وجودي من وجهة نظري. في الإنجليزية هناك كلمتان. onliness. و solitude. ليس للوحدة معان سلبية. هذا ببساطة وضع أن تكون وحيداً. أعتقد أن النقطة في الكتاب، علي الأقل في جزئه الثاني، "كتاب الذاكرة"، هي عندما تكون وحيدا بشكل ممتلئ. هذه هي النقطة التي تكتشف فيها علاقتك بأناس آخرين، تكتشف أنك في جوهرك مصنوع من أناس آخرين. هذا هو سبب أنه يوجد في الجزء الثاني الكثير من التصديرات المأخوذة من أدباء آخرين. هذا عمل جماعي تقريباً. هذا ما يوجد بداخلي وأستطيع سماعه بوضوح عندما أكون وحيداً. بعد كل شيء، فنحن لا نخلق أنفسنا، أليس كذلك؟ نحن نولد لآباء وأمهات، ولغتنا نتعلمها من أناس آخرين، لدرجة أنه حتي القدرة علي التفكير في كلمة "وحيداً" هي نتاج لأناس آخرين، نتاج الحياة مع أناس آخرين. نحن كائنات اجتماعية، ولكن في أجزاء من حياتنا نكون منفصلين تماما عن الآخرين. كلنا نشعر بأنفسنا وحيدين، كلنا أسري لوعينا، وفي أحيان نادرة نكون قادرين علي تجاوز هذا والاتصال بشخص آخر. عندما يحدث هذا فإنها تكون معجزة. الوحدة هي وضع إنساني، وفي أحيان متقاربة نجد أنفسنا في هذا الوضع."