رئيس لجنة العلاقات الخارجية: القاهرة لها أهمية استراتيجية ونحرص على أن تكون مستقرة ومزدهرة ترايجر : أمريكا أدركت ضعف تأثيرها على الشأن الوطنى المصرى
فى خطوة هامة نحو تخفيف قيود استمرار المساعدات الأمريكية لمصر وافقت لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ أول من أمس الأربعاء، بأغلبية ساحقة على مشروع قرار يسمى «قانون إصلاح المساعدات لمصر لعام 2013» تقدم به وتبناه كل من السيناتور روبرت مينينديز (ديمقراطى من ولاية نيو جيرسى) رئيس اللجنة، والسيناتور بوب كوركر (جمهورى من ولاية تينيسى) القيادى باللجنة. وقد حصل التشريع على 16 صوتا بالموافقة فى مقابل صوت واحد معارض له. وكان هذا الصوت للسيناتور راند بول (جمهورى من ولاية كنتاكى).
وهذا التشريع الجديد يعطى للإدارة ما يسمى ب«المرونة التشريعية» وبالتالى يعطى لها الحق فى إقرار تقديم المساعدات، إذا وجدت ذلك لزاما وضروريا ومن مصلحة الأمن القومى الأمريكى. وحسب ما ينص عليه التشريع الجديد يتم إلزام وزير الخارجية كيرى بتحديد: هل ما حدث كان انقلابا؟ وأن يبلغ الكونجرس بما استقر عليه رأيه. وفى الوقت نفسه يعطى للرئيس أوباما صلاحية عدم الالتزام والتغاضى عن القيود الموجودة بالنسبة للمساعدات لمدة 180 يوما ولفترات تالية أخرى طالما فعل ذلك يحقق المصالح الحيوية للأمن القومى الأمريكى ومعه تلتزم الحكومة المصرية باستعادة الديمقراطية وحكم القانون.
مسؤول بالخارجية فضل عدم ذكره اسمه قال ل«الدستور الأصلي» مع اقتراب التصويت على هذا التشريع: «كما قلنا من قبل نحن نواصل العمل مع الكونجرس من أجل الحصول على مرونة فى تقديم المساعدات التى تعزز مصالح أمننا القومى فى مصر وفى المنطقة».
والتشريع الأخير ما لم يتم إدراجه لإقراره ضمن الميزانية العامة سيقوم رئيس اللجنة بضمه ضمن التشريعات والقوائم الخاصة بالمخصصات المالية والمرجح إقرارها خلال شهر يناير المقبل. وذلك بعد عودة الكونجرس للانعقاد عقب انتهاء إجازة الكريسماس ورأس السنة.
وقال السيناتور مينينديز رئيس اللجنة: «بالنظر إلى حجم المساعدة الأمريكية وإلى الأهمية الاستراتيجية الراهنة لمصر تكون مستقرة ومزدهرة فإن القطع الكامل للمساعدات لا يخدم، من وجهة نظرى، مصالح أمريكا أو مصر». وقال مينينديز أيضا: «إن هذا التشريع يعيد تأكيد الالتزام الأمريكى الثابت تجاه شراكتنا مع الحكومة المصرية من خلال إقرار المساعدات المستمرة ودعم أهمية التعاون القائم». كما ذكر فى بيان صادر عن رئيس اللجنة: «من أجل الحصول على تلك المساعدة فإن الحكومة المصرية يجب أن تلبى بعض المعايير المتعلقة بالمساعدات الأمنية والاقتصادية مثل الالتزام بمعاهدة السلام بين إسرائيل ومصر والتعاون فى مكافحة الإرهاب وأخذ خطوات من أجل تعزيز الانتقال الديمقراطى». وكانت واشنطن قد شهدت فى الأسابيع الأخيرة مشاورات مطولة ومكثفة بين قيادات اللجنة من كلا الحزبين الديمقراطى والجمهورى من جانب، والبيت الأبيض والإدارة من جانب آخر.
ومن ثم تم القيام بصياغة هذا التشريع بحيث أن الإدارة وهى تتعامل مع حالة مصر الآن وأيضا ربما فى حالات مشابهة فى المستقبل لن تكون مقيدة تماما بالقانون الحالى. وهو القانون الذى يقضى بقطع المساعدات لحكومات أتت بعد انقلابات عسكرية. والأمر الأهم بالطبع بالنسبة للإدارة هو أن لديها الصلاحية من خلال المرونة التى تم توفيرها بهذا التشريع الجديد فى أن تقرر استمرار المساعدات وكيفية ضمان تدفقها.
وقد عكس التشريع الأخير موقفا مشتركا لكلا الحزبين من أهمية وضرورة الوقوف مع مصر فى المرحلة الحرجة الحالية ومساندتها فى تحولها الديمقراطى وفى محاربة الإرهاب وتحقيق الاستقرار. وأن الإدارة الأمريكية نجحت فى مساعيها من أجل توفير «المرونة التشريعية» التى تبناها وأقر بها الكونجرس، وكانت خطوة أول من أمس الأربعاء، الأولى على هذا الطريق. كيرى فى لقاءاته وتصريحاته المتعددة عقب صدور الإعلان بتعليق المساعدات الأمريكية لمصر (9 أكتوبر الماضى) كان حريصا على التأكيد بأن هذا القرار «مؤقت» و«جزئى» و«يستهدف بعض المساعدات لبعض الوقت» أو «يعد تأجيلا أو إرجاءً لتدفق المساعدات ليس إلا» والأهم «لا يهدف إلى معاقبة مصر» حسب قوله.
من جهة أخرى، كان السيناتور راند بول هو الوحيد الذى عارض هذا التشريع واعترض دائما على المساعدات الخارجية وتقديمها لمصر قال فى تصريحات له عقب موافقة اللجنة «إن اللجنة صوتت لإضعاف القانون القائم ولإعطاء الرئيس سلطات أكثر لإرسال المليارات كمساعدة لدول تطيح بعنف حكوماتها وتنخرط فى استخدام العنف ضد مواطنيها». وذكر أيضا أن هذا التشريع يعطى للجيش المصرى أن يفعل ما يشاء فى حكمه لمصر وبدلا من «أن تتم محاسبة المصريين فإن التشريع يجعل أمر الولاياتالمتحدة أسهل فى أن تقوم بإرسال الدبابات والمقاتلات (إف 16) لدولة تعانى من العنف المتوطن ضد المعارضين السياسيين والأقليات الدينية» حسب تعبيره. ويرى معارضو هذه الخطوة بشكل عام أن هذا التشريع يحمل فى طياته خطورة إعطاء كل سلطات المنح والمنع للإدارة طالما لديها التبرير والتفسير بأن قرارها هذا أو ذاك يخدم مصالح أمريكا وأمنها القومى.
فى حين يرى إريك تريجر الباحث المتخصص فى الشأن المصرى بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى أن التشريع الجديد يعطى الإدارة الأمريكية المرونة التى تحتاج إليها لإدارة سياسة خارجية فاعلة. وقال تريجر: «إن التشريع يعكس إدراكا متناميا بأن الولاياتالمتحدة لديها تأثير محدود على مستجدات السياسة داخل مصر فى ما يخص الصراع الوجودى الدائر بين الحكومة التى يدعمها الجيش والإخوان المسلمين» ويذكر أن الإدارة الأمريكية فى الفترة التى تلت 3 يوليو رغم امتناعها عن وصف ما حدث فى مصر بأنه «انقلاب» (وأيضا عدم إقرارها بأنه ثورة) تعاملت بحذر وتردد، وقانونا أو تشريعا وفق ما هو مذكور ومسموح به فى القانون الحالى.
ولا شك أن الأيام المقبلة ستشهد تفاصيل أكثر عن التشريع الجديد وآليات تطبيقه. كما ستشهد تفسيرات وتحليلات عديدة ومختلفة وأحيانا متضاربة حول مضمونه وتبعات تطبيقه وآثاره فى «تهدئة» أجواء العلاقات الأمريكية المصرية بشكل عام، خصوصا أن هذه الأجواء شهدت توترات متتالية فى الفترة الأخيرة وتحديدا بعد تعليق بعض المساعدات العسكرية والتوقف عن إرسال دفعة جديدة من المقاتلات (إف 16) والهليكوبتر «أباتشى» فضلا عن إلغاء إجراء المناورات العسكرية المشتركة والمعروفة باسم «النجم الساطع» هذا العام.
وفى إطار المساهمة فى مواجهة التحديات التى تواجهها مصر اقتصاديا وماليا قام وفد حكومى أمريكى بزيارة من الإمارات والسعودية فى الفترة ما بين 15 و17 من ديسمبر الجارى. وكان الوفد يتكون من مسؤولين فى مجلس الأمن القومى والخارجية والخزانة. هذا ما ذكره مسؤول بالخارجية فى تصريحات ل«التحرير». والمسؤول الذى فضل عدم ذكر اسمه قال أيضا: «إن السفيرين ديفيد ثورن وتوماس شانون وهما من كبار مستشارى وزير الخارجية كانا من ضمن الوفد. وقد قابل الوفد مسؤولين إماراتيين وسعوديين كبارًا لمناقشة سبل استمرار دعم مصر، وهى تعمل من أجل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية بهدف تحسين مناخ الاستثمار وجذب الأموال الأجنبية وخلق فرص للعمل. وأيضا على مساعدة مصر فى تقليل اعتمادها على المساعدة الأجنبية».
وأضاف المسؤول الأمريكى ل«الدستور الأصلي»: «أن هذه الخطوات ضرورية لمخاطبة المتطلبات الاقتصادية وتطلعات الشعب المصرى على المدى البعيد».