قالوا : يا فرعون ! إيه فرعنك ؟ ، قال : ما لقتش حد يلمني.. وفي قول آخر : لقيت الشعب المصري للكرسي بيزقني.. هكذا يفعل الشعب المصري مع من يحبه حتي وإن كان غير جدير بهذا الحب..فالشعب المصري يحقق رقما قياسيا ويملك تاريخا مطولا من صناعة الديكتاتوريين و الجبابرة و الفراعنة..ولعل المشكلة الأساسية لهذا الشعب تكمن في عاطفيته المفرطة التي تحول دون رؤيته لحقائق الأمور وتدفعه دفعا لتحويل أي شخص لإله مُنزه عما هو خاطئ بل والأدهي أن هذا الشعب لا يعامل قادته المحبوبين كبشر يصيبون ويخطئون بل يعاملونهم كما لو كانوا "زيوس" أو رب الأرباب في الميثولوجيا الإغريقية أي علم الأساطير الإغريقية "من غير ما تروح ويكيبيديا و تعمل سيرش علي ميثولوجيا دي".
لقد فُقعت مرارتي مرارا وتكرارا من ارتكاب المصريين لذات الأخطاء وبحثهم الدائم - ليس عن زعيم أو قائد حقيقي- بل عن جلاد أو طاغية يقودهم ويسوقهم سوق القطيع، فالكارثة ليست في ذلك الشخص الذي يطمح في أن يأخذ منصبا مهما أو قياديا في مصر بل الكارثة في معاملة المصريين لهذا الشخص وكيفية نظرهم إليه كما لو كان ملاكا أرسل إليهم لدرء العذاب أو رفع المهالك ..
فالمصريون معروفون بحبهم للإطراءات المبالغ بها لدرجة رفع أي شخص لمنزلة قد لا يستحقها ولدرجة تكوينهم لقشرة زجاجية أو غلاف خارجي هش من الإطراء المزيف حول أي شخص وسرعان ما يتقلب مزاجهم فينقلبون ضد هذا الشخص ويستمتعون بتهشيم تلك القشرة وذلك الشخص!
إن مشكلة مبالغة المصريين في مدح البشر ورفعهم لدرجات ومنازل عليا مشكلة أزلية يتوارثها الأجيال منذ عهد الفراعنة وحتي الآن ..لا يعطون كل ذي حق حقه بل يبالغون في إعطاء الحقوق وأخذها أيضا فهم يرفعون البعض إلي أعلي السموات ولكن سرعان ما ينزلون بهم لأسفل سافلين.
وهناك أسس مميزة يستخدمها المصريون في صناعة الديكتاتور فهذه الصناعة هي فن وعلم وهندسة يتميز بها هؤلاء القوم ، وإليكم القواعد العشر لكيفية صناعة ديكتاتور من
الطراز الأول " فرز أول و فخر الصناعة المصرية و مش هتلاقي بره زيه أبدا يا عنيا" :
1. التطبيل شئ أصيل : وهناك نوعان من التطبيل : التطبيل الجماهيري وده من جانب الحشود الغفيرة المؤيدة و دول بقي أصحاب شعارات : زعيمنا عمهم وحابس دمهم ، ده كبير وكلامه خطير ، ده قوي بالطول والعرض وهيهز الأرض ؟!! ويبدأ الافتكاس في العبارات والكلمات و تحس إنه جو مهرجان شعبي قالب علي حنة عروسة؟! وأسلوب غاية في الابتزال بغرض إرضاء أي زعيم ينفخه المصريون نفخا زائفا ، أما النوع الثاني فهو التطبيل الإعلامي وأود الحديث عنه في النقطة الثانية.
2. الإعلام هيخليك في التمام : التطبيل الإعلامي ليس له مثيل فهو شئ جميل لأي ديكتاتور أصيل ..أي ديكتاتور طبعا لازم يجيب له فرقة إعلامية متكاملة للتمجيد في أعماله و إنجازاته ، يُطلق قنوات تابعة له تقوم بأداء مهمة التطبيل أو يكون أكثر ذكاءا ويضغط علي قنوات أخري تقوم بالتطبيل له كما لو كان بعيدا عن الصورة والبس يا شعب وصدقي يا جماهير!
3. معارضة أراجوز لوز اللوز : فيه ديكتاتور ذكي يجيب معارضين مزيفين ويخليهم ديكور قال يعني بيحترم مبدأ الرأي والرأي الآخر مع إنه كله بالاتفاق ومفيش أي خناق وكله تمثيل و أنت مصدق يا كميل ..ولا فيه معارضة ولا حاجة ، كل الحكاية شوية كومبارس وأراجوزات في مسرحية الديكتاتور كل واحد فيهم ليه دور محسوب لا يتخطاه والمسرحية كلها تأليف وإخراج الديكتاتور والجمهور بس هو اللي بيتضحك عليه!
4. صورك في كل مكان وكتير كمان : الديكتاتور طبعا صوره لازم تكون في مصر مغرقة كل حوائط المنشآت الحكومية وربما غير الحكومية كمان ، تحسه فرد من العائلة ..صورته مقدسة ولازم تتحط في أي حتة..
5. احشد ..احشد : أهم حاجة الحشود الغفيرة والقدرة علي تكوين هذا الحشد وإظهار هذا الحشد سواء أكان كثيرا أم قليلا علي أنه رأي الأغلبية المطلقة والساحقة ونعيش في دوامة صمت تبلع الأقليات والآراء المعارضة وتفنيهم عن بكرة أبيهم.
6. قبضة أمنية محترمة جدا : طبعا السيطرة علي الأمن والقوات النظامية وخلافه وإعادة هيكلتهم وفقا لمبادئ الديكتاتور و عمل غسيل أدمغة محترم ليهم بحيث يكون الولاء الأول للديكتاتور إلا من رحم ربي..
7. حط أنصارك في كل حتة : والله أهبلة الدولة ولا أخونة الدولة ولا عسكرة الدولة مش هتفرق كتير فالمهم أن الأنصار الكبار يسيطروا علي مواقع الأمر والنهي لحين الاستعانة بهم وقت اللزوم وللتحكم أيضا في الحشود السابق الحديث عنها وإدارة الدولة علي صغير ..أصل الديكتاتور مش فاضي للحاجات الصغيرة دي يا راجل كبر مخك خلينا في التقيل وخاصة العلاقات مع الدول الصديقة..
8. حزبك جوه الساحة واتمختر أنت بالراحة : طبعا الحزب أو الكيان الذي ينتمي إليه الديكتاتور لابد أن يستحوذ علي الحياة السياسية والاقتصادية و الإجتماعية وتتصدر نشاطاته النشرات الإخبارية وسلملي علي القطاعات الشعبية المطحونة بصورة يومية.
9. بره أهم من جوه : الديكتاتور يخشي أن يراه العالم في صورة ديكتاتور لذا يسعي لمخاطبة الرأي العام العالمي ويبين أن المناخ ديموقراطي و سليم جدا جدا ويعمل فيها لئيم وأن الحياة مستقرة وكل شئ علي خير ما يرام وإذا حاول الأجانب المجئ للتحقق من الأمر يخصص لهم وفود خاصة ترافقهم للأماكن اللي علي مزاجه اللي تبين استقرار وتميز الدولة للتدليل علي إدارته الحكيمة و سياسته القويمة.
10. طالما الشعب مصدق ومتكيف يبقي خلاص : Game Over إذا كان الشعب راضي مالك أنت يا قاضي ؟! طالما الشعب شايف سياسة الديكتاتور كويسة والدنيا تمام خلاص هيكمل كده لأن مشكلة الشعب المصري أن ذاكرته ضعيفة زي ذاكرة السمكة أو الذبابة بينسي العداوة بسرعة وعنده سذاجة مش طبيعية قابل لتصديق أي تطبيل بل والمشاركة في هذا التطبيل بفعالية وعنده إمكانية السير مع التيار الرائج حتي لو وقع في شلال أسود ومهبب وسحيق المدي..والشعب المصري هو اللي بيشجع أي ديكتاتور أنه يستغل الأسس السابقة بنجاح وفعالية، بس ياتري الشعب ده في مرة هيفوق بسرعة ويلحق نفسه؟؟ علشان فعلا مش كل مرة هتسلم الجرة وأخطائه هلم جرا !!
في كلمتين كده : الديكتاتور أيا كان إنتماؤه الإيديولوجي هيفضل ديكتاتور لأنكم خلتوه ديكتاتور وصنعتوله بريق زائف بيتحول لحصن منيع بيحاربكم من وراه وقت اللزوم.
فحاولوا تتجنبوا صناعة الديكتاتور وحاولوا تهدموا تلك القواعد العشرة السابقة وعاملوا كل شخص في أي منصب قيادي علي أد إمكانياته وعلي أد خطواته..ما تقبلش تاني يا شعب تعيش عبد وربنا خلقك حر مهما كان حبك لشخص أو كيان ..
عاملوا الناس علي قدر أحجامهم و حاسبوهم علي قدر أفعالهم ..صدقوني النفخ والمدح الكبير هيخسرنا كتير و جو التطبيل والزيطة أكيد هيلبسنا كل مرة في سد وحيطة ..