نريد تفسيرًا من الحكومة عن جهاز تنظيم الاتصالات وقانون ومكافآت أعضاء مجلس الإدارة 38 شخصًا تقاضوا 56 مليون جنيه فى سبع سنوات منهم ستة وزراء سابقين وثلاثة فى عصر قنديل ومرسى!
هل أبلغ المستشار جنينة رئيس وزرائه بهذا التقرير قبل تشكيل الحكومة الجديدة أم لا.. وهل كذب الببلاوى؟
هذه قضية لا يمكن أن ندعها تمر مرور الكرام، فهى تفتح لنا ثغرةً فى أبواب جهنم كى نطرد إليها بعض الفساد الذى يضرب أرضنا وبشرنا، ونعيد أصحابه الذين يمصون دماءنا وينهشون عقولنا إلى حيث ينتمون، ربما نتخفف قليلًا من الأثقال التى تربط بلادنا بالظلم والغبن والخرافات.
والمدهش أن الذى فتح الثغرة، هو الحكومة نفسها، وفى تقرير رسمى وتصريحات صحفية.
التقرير خارج من الجهاز المركزى للمحاسبات، أعلى سلطة رقابية فى مصر للتصرفات المالية، والتصريحات على لسان المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز، والأهم أنه كان قاضيًّا ويرفع لواء العدالة ويعلم قيمة شهادته!
وعلى الرغم من أهمية التقرير وما يحتويه من معلومات شديدة الخطورة عن السفاهة فى صرف 56 مليون جنيه مكافآت، وهو أمر يتجاوز الأفراد إلى النظام، إلا أن التصريحات نالت النصيب الأوفر من الصيت والشيوع والصخب، لأنها تحدثت عن شخص بعينه هو المستشار عادل عبد الحميد وزير العدل مع أن نصيبه كان 2٪ فقط من هذه المكافآت، وبدا أنه الهدف المطلوب التنشين عليه والفريسة المطلوب اصطيادها، وعمومًا فى الخطايا لا حصانة لأى مواطن مهما كان منصبه أو مكانته!
وبالنص قال المستشار هشام جنينة: إنه تقدم بملاحظات على اختيار المستشار عادل وزيرًا للعدل فى حكومة الدكتور الببلاوى بسبب مخالفته المالية، وأنه أرسل تقريرًا بها إلى الرئاسة ومجلس الوزراء والنيابة العامة، ولم يحدث شىء!
أى أن المسألة لا تتوقف عند مخالفات ارتكبها وزير، إنما تمتد إلى رئيس دولة متهم ب«التواطؤ» بالصمت، إذ عرف بالتقرير والمعلومات التى تحتويه. ثم قبل أن يُضم للحكومة وزير تطارده اتهامات وقبل أن يحلف اليمين أمامه كما لو أنه يحميه من القانون ويبارك المخالفات المنسوبة إليه.
ناهيك عن رئيس وزراء اختار عامدًا متعمدًا وزيرًا مطلوب التحقيق معه، كما لو أنه يُشكل عصابة وليس حكومة!
باختصار لا يتهم المستشار هشام جنينة وزيرا فقط، إنما «أعلى سلطة فى البلاد» بالفساد فعلًا أو علمًا!
فهل يمكن أن تمر هذه القضية مرور الكرام؟!
لو حدث تبقى مصيبة.. تهدم مع سبق الإصرار والترصد حلم بناء دولة العدل والحرية والديقراطية قبل أن نشيد فيها حجرًا واحدًا، ويا ألف خسارة على كل تلك الدماء التى سالت من أجل هذا الحلم، فهل كانت من الماء المالح؟!
لكن دعونى قبل أن نتورط فى الأحكام ونصل إلى نتائج قد تصيبنا بالإحباط والكآبة، نسأل: هل سكتت أكبر سلطة فى البلاد على اتهامها باختيار وزير عليه ملاحظات ومطلوب التحقيق معه، ليس فى أى وزارة، إنما فى وزارة العدل؟!
تجاهل الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور الاتهام على الرغم من خطورته تجاهلًا تامًا، ويبدو أنه فوّض رئيس وزرائه فى مثل هذه الأمور، وفى الحقيقة لم يصمت الببلاوى، وقلب الطاولة فى وجه الجمهور وأصاب الرأى العام بارتباك شديد، إذ رد بقوة وقال بالحرف الواحد: إنه لم يتلق أى تقرير من الجهاز المركزى للمحاسبات وقت تشكيل الحكومة، وأنه تلقى تقريرًا فى الأسبوع الماضى فقط عن مخالفات مالية تشمل بعض المسؤولين عن فترات سابقة!
وكان ذلك فى 28 سبتمبر 2013، أى أنه تلقى التقرير فى العشرين من سبتمبر تقريبًا، أى بعد تشكيل الحكومة بأكثر من شهرين!
هذا كلام خطير جدا، يُكذب فيه رئيس الوزراء موظفًا كبيرًا فى الدولة، ويعلن بالفم المليان أن ما قيل عن إبلاغه بمخالفات تمس المستشار عادل عبد الحميد وزير العدل قبل تعيينه، هو عار تمامًا من الصحة!
إذن الحكومة بريئة من تهمة التواطؤ..
لكن كيف تصرفت مع صاحب الاتهام لها؟!
رفع الدكتور حازم الببلاوى تليفونه، وكلم المستشار هشام جنينة، وحسب رواية رئيس الوزراء فإن رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات أخطره بأنه لم يكن يقصده هو، إنما كان يقصد رئيس الوزراء السابق الدكتور هشام قنديل، وأن جنينة سيدلى بتصريح يوضح اللبس الحادث، لكنه لم يفعل!
يا نهار أسود..
نحن أمام اتهامات متبادلة بين رئيس الوزراء ورئيس الجهاز المركزى للمحاسبات ليس فى قضية 56 مليون جنيه مال سائب فقط، وهو جزء مهم لكنه ليس مربط الفرس هنا، فالمربط هو إدارة هذه الدولة فى هذه الظروف المعقدة المتشابكة، فهل هذه حكومة فعلًا؟!
هذا الجزء السياسى هو الأخطر فى القضية..
ويبقى جزء المخالفات المالية، والسؤال: هل هو أيضا يشوبه هذا القدر من اللخبطة والتضارب؟!
يقينًا لا، وهذا ما تشى به المستندات، وهى مرفق تقرير جهاز المحاسبات، عبارة عن بيان بالمكافأة المنصرفة للسادة أعضاء مجلس إدارة الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات خلال الفترة من 2006/7/1، 2013/3/31، وقد قاربت هذه المكافآت من 56 مليون جنيه، حصل عليها 38 شخصًا، وتتراوح ما بين مئة ألف وستة ملايين جنيه، حسب وظيفته والمدة التى قضاها فى مجلس الإدارة، والمدهش أن المئة ألف جنيه كانت من نصيب وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المهندس عاطف أحمد حلمى فى الفترة من يناير 2013 حتى مارس 2013، فى وزارة هشام قنديل ورئاسة الدكتور محمد مرسى، أى لم يختلف الأمر عن عصر حسنى مبارك، وكان مرسى فى السلطة قبلها بستة أشهر، وكان المستشار هشام جنينة رئيسًا للجهاز المركزى للمحاسبات ولم يعترض!
وليست هذه هى الحالة الوحيدة فى البيان، فالدكتور محمد عبد القادر سالم وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عين فى مجلس الإدارة باعتباره شخصية عامة فى أغسطس 2012 حتى مارس 2013، وحصل على ما يقرب من 400 ألف جنيه، والمهندس هانى محمد محمود، وعادل محمد سرحان ممثلًا عن الرقابة الإدارية فى أكتوبر 2012، وعمر على الشيخ، أى أن كل هؤلاء عينوا بقرار فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى ورئيس الوزراء هشام قنديل وتقاضوا مكافآتهم وقتها.. أى أن نظام التعيين والمكافآت مستمر من عصر مبارك إلى عصر مرسى، وإلى الآن، كما هو دون تغيير أو تعديل، وهذا يذكرنى بحوار جرى بين قيادى إخوانى وصحفى عن تحديد الحد الأعلى للدخول فى الدولة، والمقصود بالدولة هنا «كل المؤسسات العامة حتى لو كانت بقانون خاص»، فرد قائلًا: يعنى لما جئنا إلى الحكم تريدون وضع حد أقصى!
ولم يُضع الحد الأقصى.. وهذه قضية خلافية، لأن فيه قطاعات فى الدولة تحتاج إلى خبرات خاصة جدا كالبنوك، ومرتبات هؤلاء فى أى مكان فى العالم عالية جدا، وهى خبرات مطلوبة، وإذا تقاضت مرتبات أقل كثيرا مما هو سائد حولها، سوف تهاجر وتترك هذه القطاعات لموظفين أقل كفاءة، وربما أنصاف أكفاء، فيتدهور الحال بها، وتتعرض اقتصادياتها للخطر، لكن لا يجوز أن تكون الفوارق فلكية داخل المؤسسة الواحدة.. وعموما هذا موضوع آخر يستحق الحوار حوله. نعود إلى قضيتنا ونسأل: إذا كان هذا هو الحال ويعلمه المستشار هشام جنينة علم اليقين فلماذا الضجة والصخب الآن؟!
قطعًا لنا ألف علامة حمراء على نظام المكافآت، ومقدارها، لكن السؤال: هل هى عيب من الذين تقاضوها أم عيب من النظام الذى سمح بها؟! وهو النظام الذى ثرنا عليه لنسفه وإعادة بناء نظام جديد أقرب للعدالة وحقوق الإنسان والحرية والمساواة وتكافؤ الفرص؟!
ليس هذا دفاعًا عن هؤلاء الأشخاص، فإذا كان عليهم ما يحاسبون عليه فليحدث وفى أسرع وقت ممكن، لكن قضية المستشار عادل عبد الحميد لها وضع خاص، فرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات اختاره هو دون 38 شخصًا آخرين، منهم ستة وزراء سابقين، بعضهم خدم مع هشام قنديل ومحمد مرسى، ومنهم ممثلون عن وزارات وجهات سيادية والرقابة الإدارية ومجلس الدولة وشخصيات عامة.. والسؤال هو: لماذا فعل جنينة ذلك؟!
أتصور أن المسالة لها علاقة بالحرب الدائرة بين المستشار عادل عبد الحميد وزير العدل من جانب، وقضاة من أجل مصر وجزء كبير من تيار استقلال القضاء من جانب آخر، وقد ثبت أن عددًا كبيرًا منهم كانوا خلايا إخوانية نائمة، وهو التيار الذى أوكل إليه الرئيس المعزول إدارة قطاعات عريضة فى الدولة، وبعض هؤلاء القضاة وقعوا بيانات ُتليت على منصة رابعة العدوية وقت الاعتصام.
يقولون فى الأمثال الشائعة إن الغرض مرض، ويبدو أن الجهاز المركزى للمحاسبات يخوض القتال نيابة عن جزء كبير من تيار استقلال وقضاة من أجل مصر، بعد أن فتحت وزارة العدل فى عهد عادل عبد الحميد ملفات هؤلاء القضاة وانتماءاتهم السياسية التى يحظرها القانون، وقد أحيل بعضهم إلى الصلاحية.. فاعتبرت الجماعة سواء كانت ظاهرة أو خلايا نائمة المستشار عادل عبد الحميد عدوًا يجب القضاء على سمعته والتشهير به، وهل هناك أخطر من «الفساد المالى» لتشويه سمعة قاض!
وأكرر، نحن لا ندافع عن أحد، إنما لا نقبل تصفية الحسابات مع المخالفين للإخوان، وقد حددوا المستشار عادل عبد الحميد بالاسم دون 38 شخصًا آخرين، وقد عُين عضوًا بمجلس الإدارة وهو على المعاش، ولم يكن وزيرًا وقتها، وذلك خلفًا للمستشار محمود أبو الليل وزير العدل الأسبق.
باختصار نريد أن نعرف الحقيقة، وهل أبلغ المستشار جنينة رئيس وزرائه بهذا التقرير قبل تشكيل الحكومة الجديدة أم لا؟!
وإذا كان أبلغه فلماذا كذب الدكتور حازم الببلاوى على الرأى العام وما الغرض؟! وإذا كان لم يبلغه فلماذا كذب المستشار هشام جنينة وما غرضه؟! وهل يصلح هذا النمط من علاقات العمل فى إدارة دولة مأزومة؟!
لماذا خص المستشار هشام جنينة وزير العدل بالمخالفات بالاسم دون الآخرين؟! ولماذا أصلا لم يعترض على هذه المخالفات فى عصر الرئيس السابق محمد مرسى ويلغيها؟!
لماذا الإعلان والتشهير؟! وهل له علاقة بالمعركة الدائرة بين وزير العدل الإخوان بالوزارة؟!
والرأى العام فى انتظار إجابات خاصة بهذه القضية، وإجابات عامة عن نظام مجلس إدارة الجهاز القومى لتنظيم الاتصالات ومكافآت أعضائه والقانون الذى يحكمه!