ماتمنعوش الصادقين عن صدقهم ولا تحرموش العاشقين من عشقهم كل اللي عايشين م البشر من حقهم يقفوا ويكملوا يمشوا ويتكعبلوا ويتوهوا أو يوصلوا كل من عاش في الثمانينيات عاش مع السيد أبو العلا البشري رحلته، تلك التي أبدعها أسامة أنور عكاشة وجسدها محمد مرسي وأخرجها محمد فاضل وغناها علي الحجار. مهندس ري عجوز قضى عمره في روقان الريف ونظافته ونقائه .. كل حياته عمله وكتبه ووجدان مشحون بالأغاني والأماني والشجن .. يخرج إلى المعاش فيقرر أن ينزل إلى عائلته الكبيرة من أولاد عمومته في القاهرة التائهين في زحمة الحياة وسطوة المادة وتفكك العلاقات والأحلام ..وعندما يصطدم العالمان يمتشق السيد أبو العلا البشري سيف دون كيشوت ويصارع الواقع بالمثاليات بحثا عن التغيير..حاول أن يغير أوضاع عائلته فواجهته سخرية البعض ورفض البعض وتجهم أقرب الأقرباء .. وحتى عندما امتلك سلطة الثروة المفاجئة التي هبطت عليه من السماء لم تنجح مثاليات الكتب وأخلاقيات الفرسان في تغيير المحيطين به فحاصره المنتفعون والمنافقون وصيادو الفرص ، بل إنه تورط وورط المخلصين الذين آمنوا به في سلسلة متتالية من المشاكل والأزمات .. وفي النهاية .. عندما أدرك أنه إنما يحارب طواحين الهواء كانت حياة الجميع قد انقلبت رأسا على عقب .. لولا أن العظيم أسامة أنور عكاشة قد كتب هذا المسلسل التليفزيوني الخالد في منتصف الثمانينيات لاعتقدنا أنه يقدم سيرة ذاتيه رمزية للدكتور محمد البرادعي بنفس التفاصيل والخطوط الدرامية والشخصيات .. وربما بنفس النهاية والتترات .. دون كيشوت العجوز انكسر مهزوما وعاد إلى ريف "سخا" واستراحة الري وقد أدرك أن الواقع أكثر تعقيدا من مثاليات الكتب والنظريات وأن الشرور التي تسكن البشر وتكالبهم على المادة والمنصب والسلطة والنفوذ أقوى وأعتى من سيف الفارس الذي يريد فقط أن يلوح به دون أن يسفك الدماء. وأن السياسة والقيادة والحكم هي فن (الممكن) وليس (ما ينبغي أن يكون).. ربما كانت غلطته الوحيدة هي أنه أحسن الظن بحثالة البشر من تجار الدين والمبادئ واعتقد أنهم قابلون للإصلاح أو التصالح .. وأنه وافق أن يمسك مقاليد سلطة (الثروة المفاجئة) وهو لا يمتلك آلياتها ولا يستطيع أن يتحمل مسؤولياتها أو يحسن التفرقة بين عدو وصديق . السيد أبو العلا البشري انسحب في نهاية المسلسل مهزوما أمام قبح الواقع دون أن يدرك أن رحلته لم تذهب هباء..فقد فتح أبوابا ولمس أرواحا وألقى أحجارا في مستنقع لم يتحرك ماؤه منذ زمن طويل .. وبقي صوت الرائع علي الحجار يزخرف تتر النهاية بكلمات الخال عبد الرحمن الأبنودي وألحان القدير عمار الشريعي : لو مش هتحلم معايا .. مضطر أحلم بنفسي لكني ف الحلم حتى .. عمري ما هحلم لنفسي لو كنت راح أفتش عن منصب والا جاه وأصاحب الحذر دا أنا أبقى ماستحقش حلاوة الحياة وضحكة البشر يا صاحبي يا صديقي ياللي طريقك طريقي دا أنا يوم ما أعيش لنفسي دا يوم موتي الحقيقي