هو نفس الجيش الذى خرج منه أحمد عرابى، وجمال عبد الناصر ورفاقه الذين قادوا ثورة يوليو 1952، هو نفس الجيش الذى قاد الجيوش العربية زحفا لتحرير فلسطين فى حرب 1948، ولم يهزم أمام إسرائيل كما يشيع المغرضون، لكنه قد شلّت حركته، وتعثّرت قوته بفعل دنس السياسة وتآمر المتآمرين فى كواليس بلاط الحكّام العرب من الذين يبيعون ويقبضون الثمن فى كل العصور.. فهم ابتلاء التاريخ لأوطانهم.. هم وسخ الحياة، وآفة الأقدار.. نجدهم متناثرين فى أحطّ صفحات التاريخ، ليس فى مصر فقط، بل فى تاريخ لحظات تقرير المصائر فى أماكن متفرقة بالعالم، يطلّون علينا دائما فى الأوقات الحاسمة والعصيبة التى تمرّ بها الدول والشعوب، نجدهم مع الثورات ومع إشتعال حركات التحرر والتغيير فى تاريخ الأمم.. نجدهم سلاحا خسيسا وضيعا فى يد الأعداء مغروسين فى صدور أوطانهم وأهليهم.. بل هم طعنات فى قلوب آبائهم وأمهاتهم وأولادهم، هم تشويه لمعانى الحب والانتماء لربوع الحياة، وتشويش مبتذل لسحق ذاكرة الطهر والنقاء والمعانى السامية. هؤلاء يعدمون عادة رميا بالرصاص فى الميادين العامة، وعلى رؤوس الأشهاد بتهمة الخيانة العظمى.. تلك الكلمة التى كانت ترتبط عادة بتهمة التجسس، والتى كانت تقشعّر منها الأبدان وتجزع وتشعر بالقرف والغثيان، وقت كانت نادرة الحدوث فى زمن الانتماء الجارف لحب مصر. أما الآن فالخيانة على عينك يا تاجر، والتجسس على المشاع!! فالخائن والجاسوس والمتخابر، والبايع والقابض، والناطط من فوق السور فى وضح النهار، والتارك بابه مواربا ليتسلّل منه الغدر.. كلهم معلنون، مفضوحون، بعقولنا يستخفون، ويسخرون من ارتعاشنا فى مواجهتهم أو محاسبتهم، ومن تخاذلنا فى إعدامهم رميا بالرصاص فى الميادين العامة.. فتبجّحوا وراحوا هم يطلقون الرصاص علينا فى الميادين العامة، وفى وضح النهار!! وطمعوا أكثر وأكثر، فخرجوا يجوبون شوارع مصر.. بهتافات ضد جيش مصر!! ياللخزى، ياللعار.. كيف رضينا أن يمس جيشنا العظيم بهذا الشكل الفجّ؟! كيف سمحنا أن تمس مؤسسة وطنية عريقة أهدت إلينا جمال عبد الناصر رمز عزّتنا وبطولتنا ومجدنا وقوميتنا؟! كيف نغضّ الطرف عن إهانة مؤسسة عظيمة منحتنا أبطالا مثل عبد المنعم رياض وسعد الدين الشاذلى والجمصى ومحمد فوزى والمشير أحمد إسماعيل وأبو غزالة وعبد الفتاح السيسى؟! بل وكل جندى مصرى استشهد بحق وسالت دماؤه الطاهرة على أرض سيناء وهو يحمى تراب هذا البلد، ويحمى أماننا وجلستنا ساعة العصارى مسترخين مترهلين أمام شاشات التليفزيون نشاهد المسلسلات المملة والإعلانات الهابطة المسفّة، ونمصمص الشفاة عندما تمر أمام أعيننا مشاهد القتل والسلخ والسحل والتعذيب والتمثيل بالجثث الغارقة فى بحيرات الدم المسفوك غدرا!!
هو جيش مصر العظيم الذى لم تذّله حتى نكسة يونيو 67، فراح يقف من كبوته شامخا، يستعيد قوته ليبدأ ملحمة البطولة فى حرب الاستنزاف بعد أقل من شهرين على النكسة، إلى أن حقق انتصار أكتوبر، وعبر خط بارليف، ذلك الحصن المنيع الذى تجاوزته العقول المصرية قبل أن تطأه بيادات قوات الجيش البطل، الذى لا يعرف المستحيل.. فأذهل العالم.
هذا الجيش يواجه الآن حربا شرسة فى سيناء.. مسرح تاريخ بطولاته المجيدة، ولكنه يواجه فى هذه المرّة جحافل الإرهاب التى تسرّبت إلينا من كل كهف وخرابة مظلمة مخيفة، عبر ضمائر خائنة خربة قادها الرئيس المعتوه الخائن محمد مرسى، رأس حربة الإخوان المسلمين فى صدر مصر، وزعيم عصابتهم الذى يأتمر من كل قاص ودان.. بداية من المرشد المنقّب، ومرورا بالشيخ الخرف يوسف القرضاوى الترزى الشرعى للطفح الجلدى على خريطة العالم، والمسماة مجازا بدولة قطر، وصولا إلى تركيا وأمريكا، وكل معاقل الغدر والإرهاب فى تورا بورا بأفغانستان وباكستان وحزب الله وحماس. ومع كل هذه الحقائق التى نعيشها ونراها رؤية العين على أرض واقعنا المرير، نجد تخاذلا وإرتعاشا فى اتخاذ قرار اعتبار جماعة الإخوان جماعة إرهابية، مع مصادرة أموالها الملوّثة وحساباتها المشبوهة، ولو لصالح إعادة إعمار الكنائس وأقسام الشرطة والمبانى والمؤسسات التى أحرقوها فى وضح النهار، وأمام أعيننا ونحن جلوس أمام شاشات التليفزيون نمصمص الشفاة حزنا وشجبا ولكاعة فى حماية تقرير مصيرنا.
إن نفس الأيادى المرتعشة ما زالت تترك قناتى «القدس والأقصى» المملوكتين لعناصر من حماس والإخوان تبث إشاعات واختلاقات لإحداث الفتنة والوقيعة بين الشعب المصرى وجيشه.. والعجيب.. بل والعجب العجاب أنها تبث الخراب لمصر من داخل مصر.. ومن على أرض مصر، ونحن ما زلنا نمصمص الشفاة! أفيقوا بأيديكم، قبل أن تفزعوا على فناء بأيديهم.. رحمكم الله.