حوالي عشرين عاما قضاها المخرج مجدي أحمد علي في العمل كمساعد مخرج، كل هذه السنوات لم تكن وقتا ضائعا بأي حال من الأحوال، خصوصا أنها كانت مع مخرجين كبار منهم محمد خان مثلا، الأجمل أن مجدي أحمد علي استفاد منها جيدا وكان أول أفلامه عملا مهما بحجم «يا دنيا يا غرامي»، ثم تابع مع تجارب أكثر اختلافا مثل فيلم «أسرار البنات»، كذلك التليفزيون كان له نصيب من تجربته.. هو هنا يقدم فيلما يعلو فيه فوق أشياء كثيرة، ويقدم فيه تعاطفا بلا فجاجة مع طبقة إنسانية واجتماعية فشل كثيرون في التعبير عنها. الفيلم حمل رؤية غير تقليدية للفقراء فلم يظهرهم علي أنهم راضون بحالهم علي عكس معظم الأفلام التي تناولت تلك الطبقة.. هل هذه رؤيتك الخاصة أم أنك كنت مضطرا للالتزام بما تطرحه الرواية؟ - طبعا أن مقتنع بوجهة النظر التي طرحتها بالفيلم بخصوص هذا العالم، لأن هذا هو الواقع، وأنا أرفض الرضا بالفقر لأنه يعتبر تبريرا للفساد بالمجتمع، والمجتمع عموما أصبح يدمن تبرير أشياء كثيرة فاسدة، وهذا هو ما يجعل الوطن ينحدر نحو الهاوية، فالسياسات الفاسدة أوصلتنا إلي وضع مفزع، وأصبحنا نعيش في بلد مختلف تماما عن البلد التي كنا نعرفها. محور الفيلم كان الطبقة المتوسطة علي الرغم من أن تلك الطبقة اختفت تقريبا.. هل لديك هم شخصي بأفراد تلك الطبقة؟ -أفراد الطبقة المتوسطة التي انهارت هم من يعنوني، فأنا أعرف شخوصهم، وأعرف كيف يحلمون، فأنا من الممكن جدا أن أقدم فيلما عن ساكني القصور، ولكن من يعيشون في هذه القصور لا يعنوني في شيء أصلا، لذا فضلت أن أقدم عملا عن أناس يهمني أمرهم. ألا تعتقد أن أداء محمود الجندي الذي قدم شخصية «سي البهي» في الفيلم لجزء من مسرحية «هاملت» كان مفاجئا ولم يكن هناك تمهيدا لكونه خريج مدارس أجنبية؟ - إحدي أهم وظائف المبدع، هي إثارة الدهشة، فأنا ضد الناس التي تري أنه من المستحيل أن يكون شخص مثل «سي البهي» قد تعلم في صغره كيفية أداء أدوار أبطال شكسبير، لأنني أعتبر هذه النظرة بها تعالي علي أبناء تلك الطبقة، واتهام لهم بالدونية. يؤخذ علي الفيلم أنه لم يحدد بدقة الفترة الزمنية التي دارت بها الأحداث؟ - هذه الملاحظة تكررت كثيرا، لكنني أري أن عدم تحديد الفترة الزمنية بشكل قاطع يفيد العمل، لأن هذا يلائم حالة الجمود السياسي، والاجتماعي التي نعيشها، وقد أردت أن أغيّب الوقت حتي يكون هناك إسقاط علي الفترة بأكملها، ولا يكون حكرا علي فترة معينة. البعض يتهمك بأنك تعاطفت في الفيلم مع اليساريين بعدما فتح ابن «نرجس» اليساري الباب ليدخل بعض الضوء إلي وجهها بعدما فشلوا في إضاءة اللمبة بعد وفاتها؟ -أنا قصدت من ذلك المشهد الإشارة إلي فكرة الحرمان، لأنه حتي الأحلام البسيطة لا تحقق، فاللمبة لم تضئ، لكن ابنها اليساري فتح الباب ليدخل بعض الضوء علي وجهها، وأنا أرفض تفسير المشهد بهذا الشكل، كما أرفض تفسير كل مشهد منفردا، فالفيلم في مجمله يعبر عن وجهة نظري السياسية كمخرج. لماذا اخترت عبير صبري تحديدا للقيام بدور «بسيمة»، ولماذا لم تختر إحدي نجمات الصف الأول؟ -أنا لا أستطيع أن أختار للدور واحدة من نجمات الصف الأول، لأن ميزانية العمل محدودة، وأنا عموما أري أن عبير صبري ممثلة جيدة، وكنت حزيناً جدا عليها عندما أعلنت اعتزالها، وأري أن هناك فنانات عندما اعتزلن أراحوا واستراحوا، وأخريات الأولي بهن أن يعتزلف مثل حنان ترك ومع احترامي الكامل لها ولاختيارها التي أتمني أن تعتزل تماما، فأنا أري أن الفن شئ مقدس بعد الدين مباشرة. ألم تخش من رفض محمود الجندي من المشاركة بالفيلم الذي يحتوي علي كثير من المشاهد الجريئة، ومحمود الجندي يعتبر من الفنانين المتدينين؟ -بصراحة .. كنت خايف جدا، واندهشت جدا من موافقته، لكنه طبعا فنان كبير، ويقدّر الفن، ويعلم ما المشاهد التي تفيد العمل، وما المشاهد التي تهدف للإثارة فقط. ما حقيقة مشكلاتك مع إدارة المهرجان القومي للسينما؟ - فوجئت بعدم وجود الفيلم ضمن جدول العروض، لكنني اتصلت بهم وحلينا الأمر، لكنني طبعا أعلم جيدا أن الفيلم لن يحصل علي جوائز، لأن علي أبو شادي -رئيس المهرجان- اختار لجنة تحكيم غريبة بعض الشيء، فرئيس اللجنة هو المخرج توفيق صالح الذي يعلم جيدا أين تذهب الجوائز، بالإضافة إلي أن هناك أربعة أعضاء في لجنة التحكيم لا علاقة لهم بالسينما. هل تري أن توجهك الأخير للأفلام التي تتحدث عن الطبقات الدنيا سيضعك في مقارنة مع المخرج خالد يوسف؟ - أنا مختلف تماما عن خالد يوسف، فأنا أعبر بطريقة مختلفة، ولدي تحليل سياسي مختلف، ولا أحب أصلا أفلام خالد يوسف ولكني أحترمها. من وجهة نظرك هل يجب أن يكون للفنان توجه ساسي ورأي يظهر في أعماله؟ - لا يوجد مبدع دون وجهة نظر سياسية، وعلي الفنان أن يكون له رأي فيما يحدث، وألا يلتصق بالنظام، فأنا شخصيا لم أنضم لأي حزب سياسي، وقضيتي الأولي هي الناس البسطاء، وعلي الرغم من أنني ضد النظام، لكنني كنت مؤيدا له في عدد من القضايا مثل قضية الجدار العازل، وموقفه من حزب الله، وكذلك موقفه من الجماعات الدينية، مع أنني أري النظام قد أعطاهم مساحة كبيرة للحركة. وهل تري أن آراء عادل أمام السياسية وتأييده لجمال مبارك سيخصم من جماهيريته عن الجمهور، أم من حقه أن يعبر عن رأيه؟ - أنا أنصح عادل أمام بأن يكون بعيدا عن المواقف العامة، وألا يعلن تأييده لأي مرشح، وتفسيري لموقفه من الحكومة هو أنه لديه رعب داخلي من الجماعات الدينية ويري أن النظام الحالي هو الأقدر علي الخلاص منهم ، وأن أختلف معناه كثيرا ولكنني أحترمه.